للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفاة إبراهيمَ وقصتِه مع ملَك الموت ودخولِه عليه في صورة شيخ فأضافه فجعل يضع اللقمةَ في فيه فتتناثرُ ولا تَثبُتُ في فيه، فقال له: كم أتَى عليك؟ قال: مائة وإحدى وستون سنةً، فقال إبراهيم في نفْسِه- وهو يومئذ ابنُ ستين ومائةٍ-: ما بَقِيَ أن أصير هكذا إلا سنةٌ واحدةٌ، فكَرِهَ الحياةَ، فقبَض ملَكُ الموت حينئذٍ رُوحَه برضاهُ.

فهذه ثلاثة أقوال مختلفة يتعسَّرُ الجمعُ بينها، لكن أَرْجَحها الروايةُ الثالثة، وخطَرَ لي بعدُ أنه يجوز الجمعُ؛ بأن يكون المرادُ بقوله: ((وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ)) أنه من وقت فارقَ قومَه وهاجرَ من العراق إلى الشام وأن الرواية الأخرى: ((وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ)) أي: مِن مَوْلِده، أو أن بعض الرواة رأَى (مائةً وعشرين) فظنَّها (إلا عشرين)، أو بالعكس. والله أعلم" (الفتح ١١/ ٨٩).

وقال النَّوَوي- معلِّقًا على رواية الصحيح-: "وهذا الذي وقع هنا: ((وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً)) هو الصحيح. ووقع في الموطأ: ((وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً)) موقوفًا على أبي هريرة، وهو متأوَّلٌ أو مردودٌ" (شرح مسلم ١٥/ ١٢٢).

وقال ابن طُولُون- عَقِبَ الرواية الموقوفة-: "والصحيح ما تقدَّم مرفوعًا في الصحيحين: ((أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً)). والله سبحانه أعلم" (تفسير {إن إبراهيم كان أمة} ص ٤٢).

ولذا قال الألباني: "فهذه الطرق الصحيحة المرفوعةُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ((أَنَّ إِبْرَاهِيمَ اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ)) تدلُّ على بطلان الرواية التي نحن في صدد الكلام عليها، فالصواب فيها الوقف، فلا داعي بعد هذا التحقيقِ إلى التوفيق بينها وبين الحديث الصحيح كما فعل بعضُهم، مثْلُ الكمال بن طَلْحة، وقد رَدَّ عليه ابنُ العَدِيم فأحسن، وصرَّح بأنها ليست بصحيحة، كما