قولُهُ في هذه الروايةِ:«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ»، بعد وضوء أبي هريرة وشروعه في العضد والساق- لا يصحُّ؛ إنما هو فعلُ أبي هريرةَ اجتهادًا منه؛ حيثُ تَأَوَّلَ حديثَ الغرة والتحجيل تأويلًا غريبًا، لم يوافقه عليه أحد من الصحابة ولا مَن بعدهم (١).
وقد روى مسلمٌ (٢٥٠) بسندِهِ: عن أبي حازم قال: كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الوُضُوءُ؟ ! فَقَالَ: يَا بَنِي فَرُّوخَ! أَنْتُمْ هَا هُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الوُضُوءَ، سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يقولُ:«تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ».
قال القاضي عياضٌ:"وإنما أرادَ أبو هريرةَ بكلامِهِ هذا أنه لا ينبغي لمن يُقتدى به إذا ترخص في أمرٍ لضرورةٍ أو تشددٍ فيه لوسوسةٍ أو لاعتقاده في ذلك مذهبًا شَذَّ به عن الناس- أن يفعله بحضرة العامة الجهلة؛ لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم"(شرح مسلم للنووي ٣/ ١٤٠).
قلنا: فلو رَأى أبو هريرةَ ذلك من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لجهرَ به، وأظهرَهُ للناسِ.
(١) بل نُقِل الإجماع على مخالفته، فقال ابن بطال: "وهذا شيءٌ لم يتابعْ عليه أبو هريرة، والمسلمون مجمعون على أنه لا يتعدى بالوضوء ما حدَّ الله ورسوله ... "، وانظر تتمة كلامه في (شرح البخارى ١/ ٢٢١).