للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى البخاريُّ (٥٩٥٣) بسنده: عن أبي زرعة [بن عمرو بن جرير]، قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، ... ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مُنْتَهَى الحِلْيَةِ.

قلنا: فلم يقلْ أبو هريرةَ: نعم، سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إنما ذكرَ أن هذا مُنْتَهَى الحِلْيَةِ التي أخبرَ عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، يعني حديث الغرة والتحجيل، على ما تأوله أبو هريرة رضي الله عنه من الحديث.

أما قوله: ((هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ)) بعد وضوءِ أبي هريرةَ وشروعه في العضد والساق. فقد رواه مسلمٌ وجماعةٌ: من طريق خالد بن مَخْلد القَطَوانيِّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة.

كذا رواه مسلمٌ، وأبو عوانةَ، والبيهقيُّ، وغيرُهُم من طريقِ خالدٍ به.

وخالدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوانيُّ: مختلفٌ فيه؛ قال عنه ابنُ مَعينٍ: "ليسَ به بأس" (رواية الدارمي ٣٠١)، وقال أبو داود: "صدوقٌ يتشيعُ" (سؤالات الآجري ١٩)، ووَثَّقَهُ صالح جزرة (تهذيب التهذيب ٣/ ١١٧)، والعجليُّ في (معرفة الثقات وغيرهم ٣٩٤)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات ٨/ ٢٢٤). وذكره ابنُ شَاهينَ في (الثقات ٣٢٦) ونقلَ توثيقَهُ عن عثمانَ بنِ أبي شيبةَ.

بينما قالَ الإمامُ أحمدُ: "له أحاديث مناكير" (العلل رواية عبد الله ١٤٠٣). وقال أبو حاتم: "يُكتبُ حديثُهُ (١) " (الجرح والتعديل ٣/ ٣٥٤)،


(١) زاد الباجي في (التعديل والتجريح ٢/ ٥٥٤) في النقل عن أبي حاتم: "له مناكير"، وهذا وهم منه؛ أدخل كلام أحمد مع كلام أبي حاتم، وزاد الذهبي في (الميزان ٢٤٦٣): "لا يُحتج به"، وتبعه الحافظ في (هدي الساري، ص ٤٠٠) في نسبة هذا القول لأبي حاتم، وأما في (تهذيب التهذيب ٣/ ١١٧) فقال: "وفي الميزان للذهبي: قال أبو أحمد: يُكتب حديثه، ولا يُحتج به". وهذا يؤكد أن الثابت عن أبي حاتم هو ذاك القدر الموجود في (الجرح والتعديل) فحسب.
ولهذا نؤكد على أنه ينبغي للباحثين وطلبة العلم أن يحرروا الأقوال المنسوبة لأهل العلم من مصادرها الأصلية، ولا يغتروا بكثرة الناقلين للخطأ، فإنما هو خطأ الأول منهم، ومنه أخذ مَن أتى بعده دون الرجوع إلى الأصول تحسينًا للظن به، وقد نص الحافظ في (مقدمة الفتح، ص ٤٦٥) على هذا، فقال: "إن كثيرًا من المحدثين وغيرهم يستروحون بنقل كلام من يتقدمهم مقلدين له، ويكون الأول ما أتقن ولا حرر، بل يتبعونه تحسينًا للظن به، والإتقان بخلاف [ذلك] "اهـ.