وزاد الشوكانيُّ قائلًا:"وشعبةُ إمامٌ حافظٌ واسعُ الروايةِ، وقد رَوى هذا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة على الحصر، ودينُهُ وإمامتُهُ ومعرفتُهُ بلسانِ العربِ يَرُدُّ ما ذكره أبو حاتم"(نيل الأوطار ١/ ٢٣٩).
ولكن يجابُ عن ذلك بأمورٍ:
الأول: أن شعبةَ وإن كان إمامًا حافظًا وله مزيدُ اعتناءٍ بالمتونِ كما أشارَ إلى ذلك الدارقطنيُّ فقال: "وكان شعبةُ رحمه الله يغلطُ في أسماءِ الرجالِ لاشتغالِهِ بحفظِ المتنِ"(العلل ٥/ ٤٦٨).
فليسَ من شأنِ الحافظِ أن لا يُخطئ، فقد نقلَ الأثرمُ عن أحمدَ أنه قال:"كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئًا قليلًا، وربما وهم في الشيء"(تاريخ بغداد ١٠/ ٣٥٩)، وهذا الوهم لا ينزله من مرتبته في الإتقان والحفظ. وقال أبو داود:"سمعتُ أحمدَ يقولُ: أخافُ أن شعبة لم يكن يقوم على الألفاظ، هو ذا يُختلفُ عليه"(سؤالات أبي داود لأحمد ٥٤٨).
وقد روى شعبة حديثنا هذا مرة بلفظ:«إِلَّا مِنْ صَوْتٍ»، ومرة:«إِلَّا مِنْ حَدَثٍ»، مما يقوي ما خشيه أحمد رحمه الله.
كما أن لشعبةَ غير ما حديث أخطأَ في متنه ولم يتوانَ العلماءُ في تخطئته، من ذلك أن الخطيبَ ذكرَ في (الكفاية) حديثًا رواه إسماعيل بن عُلية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ».
فرواه شعبة عن إسماعيل بسنده:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ» -أي: مطلقًا-، فأنكر إسماعيل بن عُلَيَّةَ شيخ شعبة عليه ذلك، وَوَهَّمه فيه، وتابعه