وقد أنكرَ متْنَه ابنُ الصَّلاحِ، فقال:"لا يعرفُ ولا يثبتُ عن عُثْمَانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، بل روى أبو داودَ في (سننه) عن عليٍّ ضدَّ ذلك، وهو القول الأول، وأنه وصفَ وُضوءَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتمضمضَ مع الاستنشاقِ بماءٍ واحدٍ"(شرح مشكل الوسيط ١/ ١٥٣)، و (البدر المنير ٢/ ١١٠).
وتَبِعَه النَّوَويُّ فقال:"هذا منكرٌ لا أصلَ له، بل في سنن أبي داود وغيره عن عليٍّ رضي الله عنه أنه وصفَ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمضمضَ مع الاستنشاقِ"(التنقيح في شرح الوسيط -بهامش الوسيط- ١/ ٢٨٤).
قلنا: نعم، صَحَّ عن عليٍّ رضي الله عنه، حين وصفَ وُضُوءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ»، وهذا من روايةِ عَبْدِ خَيْرٍ عن عليٍّ، وهي واقعةُ عينٍ، وقد رُوي عنه من طرقٍ أُخرى كروايةِ أبي حَيَّةَ وغيرِه ما يُفيدُ الفصلَ كما سبقَ؛ ولذا قال ابنُ المُلَقِّنِ مُتَعَقِّبًا ابنَ الصَّلاحِ: "قد رَوَى ابنُ ماجَهْ عن عليٍّ: «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ». وظاهرُ ذلك الفصل، بل في (مسند الإمام أحمد) ما هو كالصريحِ في ذلك، حيثُ رَوَى بسندِهِ إليه «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ... »، وفي (سنن أبي داودَ) من حديثِ عُثْمَانَ بنِ عبدِ الرحمنِ التَّيْميِّ، قال:«سُئِلَ ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الوُضُوءِ، فَقَالَ: رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يُسْأَلُ عَنِ الوُضُوءِ، فَدَعَا بِمَاءٍ ... فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ... »، وظاهر هذه الرواية أَخْذُ ماءٍ للمضمضةِ بمفردها ثُمَّ ماءٍ آخَرَ للاستنشاقِ بمفرده؛ إذ الاستنشاقُ هو الاستنثارُ ... ، لا جَرَمَ استَدَلَّ الماوَرْديُّ لقولِ الفصل بهذا الحديثِ ... ، ثُمَّ رَأَيتُ بعد ذلك في (سنن ابنِ السَّكَنِ) المسماة بـ (الصِّحاح المأثورة) ما نَصُّه: رَوَى شَقِيقُ بنُ سَلمَةَ قال: «شَهِدْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بنَ