فعُدنا إلى الوجه الأول، ولم يبقَ لنا من هذه الوجوه إلَّا هو، وقد رواه شعبة، والوجه الثاني الذي رواه ابن عُيَينَة ومن تابعه، وكل من شعبة وابنِ عُيَينَة قد روى عن عطاء قبل الاختلاط (الكواكب ٣٩)، وعلى أيةِ حالٍ، فشيخ عطاء في هذا الحديث - كيفما كان اسمه أو كنيته - فهو معدود في المجهولين، قال ابن المديني:((لا نعرفه، ولم يروِ عنه غير عطاء بن السائب))، وقال ابن معين:((شيخ لا أعرفه))، قال ابن عدي:((وأنا أيضًا لا أعرفه)) (تهذيب التهذيب ٥/ ١٨٩)، وقال الذهبي:((لا يُدرَى من هو)) (المغني ٧٦٤٦)، وقال ابن حجر:((مجهول)) (التقريب ٣٢٧٩)، وذكره ابن حبان في (الثقات ٥/ ٦٠) على قاعدته! .
وكذلك حسَّن الترمذي حديثَه هذا، فقال عقب روايته له:((هذا حديث حسن))، ثم أشار إلى الاختلاف في سنده، وألمحَ إلى ترجيح رواية شعبة ثم قال:((وفي الباب عن عمار، وأبي موسى، وأنس)).
وهذه الشواهد هي السر في تحسينه حديث هذا المجهول، وهذه الشواهد كلها واهية، فأما حديث عمار بن ياسر فهو عند أبي داود بسياقات متعددة منها:((ثَلَاثَةٌ لَا تَقرَبُهُمُ المَلَائكَةُ: جيفَةُ الكَافر، وَالمُتَضَمخُ بالخَلُوقِ، وَالجُنُبُ، إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ))، وسيأتي تخريجه في أبواب الجنابة برواياته وبيان علله.
وأما حديث أبي موسى الأشعري فهو عند أبي داود أيضًا ولفظه:((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ)) وهو حديث ضعيف، وضعَّفه الألباني، وسيأتي تخريجه في موسوعة الصلاة.
وأما حديث أنس، فإن كان يعني الحديث الذي خرَّجه أبو داود: ((أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلاً فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ, فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا