للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (١)، كأنّه قال - والله أعلم -: لا يعلمها إلّا هو وهي في كتاب مبين (٢)، فإن قلت: ما أكل أحد إلّا الخبز إلّا زيدا، فهذا ليس فيه إلّا نصب زيد؛ لأنّ الكلام موجب في المعنى، كأنّك قلت: كلّ النّاس أكل الخبز إلّا زيدا، وكذلك: ما جاءني أحد إلا راكبا. إلّا زيدا، كأنّك قلت: كلّ أحد جاءني راكبا إلّا زيدا.

الحكم الثامن: إذا اجتمع" إلّا"، و" غير"، فاجعل أحدهما استثناء والآخر صفة؛ تقول: ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو، وما مررت بأحد إلّا وتدا غير زيد، قال شيخنا (٣): ولا أعلم لصرفهما عن الاستثناءين معنى، ولا عن الوصفين إذا كانا مفترقين، فإن عطفت جاز رفعهما جميعا، تقول: ما جاءنى أحد إلا زيد وغير عمرو، فأمّا قول الشاعر (٤):

ما بالمدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلّا دار مروانا


(١) ٥٩ / الأنعام.
(٢) انظر: التبصرة ٣٧٩.
(٣) أبرز شيوخه فى النحو هو: ناصح الدين أبو السعادات أبو محمّد سعيد بن المبارك بن علىّ بن الدّهّان البغداديّ المتوفى سنة تسع وستين وخمسمائة، وقد ذكر ابن الأثير في مقدّمه" البديع" أنّ له كتابا شرح فيه فصول ابن الدّهّان، وسمّاه" بغية الراغب في تهذيب الفصول
النحويّة"، كما أنّ" البديع" يعدّ أيضا شرحا مبسوطا مطوّلا لفصول ابن الدّهان. انظر ص ٢ فى المقدّمة.
وقد صرّح ابن الأثير فى البديع بالنّقل عن شيخه بقوله:" قال شيخنا" أربع مرّات، ولم أقف على نصّ كلام شيخه في هذا الموطن، وعثرت على نقوله الأخرى فى" الغرّة" لابن الدهان، وهو شرح لكتاب" اللمع" لابن جني، وقد قرأ ابن الأثير النحو - أيضا على مكيّ بن رياّن بن شبّه بن صالح النحوىّ الضرير المتوفىّ سنة ثلاث وستمائه، وقرأ النّحو على غيرهما أيضا.
(٤) قيل: هو الفرزدق، ولم أعثر عليه في ديوانه المطبوع.
والبيت من شواهد سيبويه ٢/ ٣٤٠. وانظر أيضا: المقتضب ٤/ ٤٢٥، والأصول ١/ ٣٠٣.
مروان: هو مروان بن الحكم الأمويّ.