للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا" مذ" و" منذ" فهما لفظان تتجاذبهما الاسميّة، والحرفية والأغلب على" مذ" الاسميّة، وعلى" منذ" الحرفيّة؛ لأنّهم قالوا: أصل" مذ":" منذ" فحذفت النّون؛ بدليل إعادتها في التصغير، فتقول: منيذ، فإن لقي الذّال ساكن بعدها ضمّت؛ ردّا إلى أصلها، وكسرت؛ على أصل التقاء السّاكنين.

أمّا إذا كانتا اسمين: فإنّ موضعهما رفع بالابتداء (١)، وما بعدهما خبرهما، وقيل بالعكس (٢)، ولهما موضعان:

الأوّل: أن تكونا بمعنى الأمد، فيكون الاسم بعدهما نكرة معدودا، فإن عرّفته جاز، تقول: ما رأيت زيدا، فيقال لك: ما

أمد انقطاع الرّؤية؟

فتقول: مذ يومان، ومذ اليومان، أي: أمد ذلك يومان، فهذا يقتضى العدّة فحسب، وينتظم أوّل الوقت وآخره، فإن قلت: يوم الاثنين، مثلا: ما رأيته مذ يومان - وقد كنت رأيته يوم الجمعة، أو السّبت - جاز، ولم يعدّ بالنواقص، وقيل: إذا رأيته أمس، فقلت اليوم: ما رأيته [مذ] (٣) يومان جاز، وزعم الأخفش أنّهم يقولون ما رأيته مذ اليوم، و: مذ العام، ولا يقولون: مذ الشّهر، ولا مذ يوم، ولا مذ الساعة (٤)، وهو على غير قياس؛ وقد حكي عن العرب استعمال أمثلة، وامتناع من أخرى، لم نطل بذكرها.

الموضع الثّاني: أن تكونا بمعنى أوّل الوقت، ولا يكون الاسم بعدهما


(١) انظر: الإيضاح العضديّ ١/ ٢٦٦ - ٢٦٢.
(٢) وهو مذهب الأخفش والزجاج وطائفة من البصريين، انظر الجنى الدانى ٦٥.
(٣) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(٤) لم أقف على هذا الزعم للأخفش فيما لديّ من مصادر.