للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجعلون الوصف بالفعل حالا، وهو عندهم (١) أولي، فأما قول الشاعر (٢):

حتى إذا جنّ الظّلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

وقول أبي الدّرداء - رحمه الله - وجدت الناس اخبر تقله (٣)، فإنّما ذلك بمعني: مقول عنده هذا القول، كأنّه قال: جاءوا بمذق يتلوّن هذا اللّون، يعني به غبرة الذئب، وكأنّه قال: وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول.


(١) قال ابن السراج في الأصول ٢/ ٢٦٨: «واعلم أنّ الصلة والصفة حقّهما أن تكونا موجودتين في حال الفعل الذي تتذكّره؛ لأن الشئ إنما يوصف بما فيه، فإذا وصفته بفعل أو وصلته فالأولي به أن يكون حاضرا كالاسم، ألا تري أنّك إذا قلت: مررت برجل قائم فهو في وقت مرورك في حال قيام، وإذا قلت: هذا رجل قام أمس، فكأنك قلت: هذا رجل معلوم، أي: أعلمه الساعة أنه قام أمس؛ ولأنك محقّق ومخبر عمّا تعلمّه في وقت حدثيك، وكذلك إذا قلت: هذا رجل يقوم غدا، فإنما المعني:
رجل معلوم الساعة أنّه يقوم غدا، وعلي هذا أجازوا: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ...».
(٢) قيل: هو العجاج، ولم أعثر عليه في ديوانه المطبوع.
وانظر: الإنصاف ١١٥ وابن يعيش ٣/ ٥٣ والمغني ٢٤٦ وشرح أبياته ٥/ ٥ والخزانه ٢/ ١٠٩. قال البغداديّ في الخزانة: «وهذا الرجز لم ينسبه أحد من الرواة إلي قائله، وقيل: قائله العجّاج، والله أعلم ...».
المذق: اللبن المخلوط بالماء وهو يشبه لون الذئب؛ لأنه فيه غبرة.
(٣) هذا القول عن أبي الدرداء الأنصارىّ، وكل طرقه ضعيفة كما ذكر الشوكاني في كتابه «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» نقلا عن صاحب «المقاصد الحسنه في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة علي الألسنة للسخاويّ. وهو في أمثال أبي عبيد ٢٧٦. وانظر: المقاصد الحسنه ٢٥، والفوائد المجموعة ٢٥٩.
تقله: فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر، ومعناه: تبغض من قولهم: قلاه يقلاه، أي: أبغضه، والهاء في: تقله، هاء السّكت. والمعني: أنّ من
جرّب الناس وخبرهم أبغض أكثرهم وتركهم.