للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْصُلُ فِيهِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بَيَّنَهَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَحُجَّتُهُ فِيهَا تَرْكُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُ وَاسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى السَّدْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ حُكْمِ الْقَبْضِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَهُوَ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ الرَّسُولُ الْأَعْظَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِيَّةِ وَأَنَّهُ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إمَامَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَضَبْطِهِ وَدِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلَاحِهِ وَاتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ مَا يُخَالِفُهَا وَقَدْ تَلَقَّى الْأَئِمَّةُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ قَائِلِينَ وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهِيَ الْأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا يُعَضِّدُهَا أَنَّ الْقَبْضَ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَوَجْهُهَا مَعَ وُرُودِ ذَلِكَ فِي فِعْلِ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوْنُ مُرَاعَاةِ الْمُصَلِّي دَوَامَهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ يُشْغِلُهُ غَالِبًا عَنْ مُرَاعَاةِ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَكَانَ إرْسَالُهُمَا مَعَ كَمَالِ الْإِقْبَالِ وَالْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ هَيْئَةٍ مِنْ الْعِيَانِ فَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَعَ الْقَبْضِ فَإِرْسَالُ يَدَيْهِ بِجَنْبَيْهِ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ: وَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ انْتَهَى.

وَمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ كَانَ وَضْعُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ أَوْلَى وَبِذَلِكَ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ بَانَ لَكَ أَنَّ السَّائِلَ عَكَسَ الْأَمْرَ بِتَسْلِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالتَّوَقُّفِ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الضَّرُورِيِّ وَإِنْكَارِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَنَاقَضَ وَأَسَاءَ الْأَدَبَ إسَاءَةً يَسْتَحِقُّ بِهَا تَكْلِيفَهُ بِمَضْغِ لِسَانِهِ، وَرَضِّ بَنَانِهِ.

أَمَّا التَّنَاقُضُ فَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً جَعَلَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَرِيقَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُفِيدَانِ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ الضَّالِّينَ ثُمَّ نَاقَضَهُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ هُدَاةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ أَوْ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ إذْ لَمَّا وَجَدَ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ الْهَادِينَ خَوَّنَهُمْ وَتَرَدَّدَ بَيْنَ تَجْهِيلِهِمْ وَتَفْسِيقِهِمْ ثُمَّ نَاقَضَ هَذَا بِسُؤَالِهِ وَاسْتِفْتَائِهِ مِمَّنْ لَا يُسَاوِي التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ نِعَالُ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَمَّا إسَاءَتُهُ الْأَدَبَ فَفِي قَوْلِهِ أَوْ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَاتَّبَعَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ الْهَادِينَ وَأَنَّهُ يَجْتَهِدُ بِرَأْيِهِ وَمُجَرَّدِ هَوَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ لِدَلِيلٍ وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ بَعْدَهُ يَتَّبِعُونَهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ وَمَنْ بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى وَأَنَّ أَمْرَهُمْ دَائِرٌ بَيْنَ الْجَهْلِ، وَقِلَّةِ الدِّينِ وَكَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>