قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي حَقِّي، أَوْ إلَى شَهْرٍ فَلَكَ وَضِيعَةُ كَذَا فَيَجْعَلُهُ لِلْوَقْتِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ الشَّيْءَ التَّافِهَ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ، أَوْ أَمَدٍ قَرِيبٍ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَازِمَةٌ قَالَ مُطَرِّفٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي السَّلَمِ فِي ضَحَايَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ أَيَّامِ الْأَضْحَى بِيَوْمٍ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ، وَإِنَّ تَبَاعَدَ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ وَمَا بَعْدُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهَا، أَوْ يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَضِيعَةِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَ بِالْحَقِّ بَعْدَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ، أَوْ نَاقِصَ دِرْهَمٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ كَقَوْلِ أَصْبَغَ: " إنَّ لَهُ شَرْطَهُ ". ابْنُ يُونُسَ جَيِّدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيَدْخُلُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَضَاحِيّ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيسَى هُوَ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَنَصُّهُ: وَسَأَلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِغَرِيمِهِ، وَقَدْ حَلَّ حَقُّهُ: إنْ عَجَّلْتَ لِي كَذَا وَكَذَا مِنْ حَقِّي فَبَقِيَّتُهُ عَنْك مَوْضُوعٌ إنْ عَجَّلْته لِي نَقْدًا السَّاعَةَ، أَوْ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيه فَعَجَّلَ لَهُ نَقْدًا، أَوْ إلَى الْأَجَلِ إلَّا الدِّرْهَمَ، أَوْ النِّصْفَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ تَكُونُ الْوَضِيعَةُ لَازِمَةً فَقَالَ مَا أَرَى الْوَضِيعَةَ تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يُعَجِّلْ لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَرَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى شَرْطِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَتَحَصَّلُ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَمِثْلُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ جَمِيعَ مَا شَرَطَ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي قَدْ سَمَّى، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَحْوُهُ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا فِي الَّذِي يُسَلِّفُ فِي ضَحَايَا لِيُؤْتَى بِهَا فِي الْأَضْحَى فَلَا يَأْتِي بِهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَخْذُهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ يَنْعَقِدُ عَلَى تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ فَيَتَأَخَّرُ النَّقْدُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ بِهُرُوبٍ مِنْ الْمُسَلِّمِ، وَهُوَ عَرْضٌ أَنَّ السَّلَمَ لَازِمٌ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ.
الثَّالِثُ أَنَّ الْوَضِيعَةَ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْتَقِصَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَلَى مَا رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُسَلِّفُ فِي ضَحَايَا عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَضْحَى فَلَا يَأْتِيه بِهَا فِي الْأَضْحَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُ بِهَا بِقُرْبِ الْأَضْحَى بَعْدَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ.
وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْوَضِيعَةِ بِقَدْرِ مَا عَجَّلَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ عَلَى قَوْلِ عِيسَى الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْحَقُّ حَالًّا، أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ لَهُ بَعْضَ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ وَضْعٌ وَتَعَجُّلٌ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحَقُّ بَاقٍ إلَى أَجَلِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا عَجَّلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الثُّنْيَا]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثُّنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذَا الْمِلْكَ، أَوْ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute