(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِلْجَاعِلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ مَنْفَعَةٌ كَانَتْ لِلْجَاعِلِ، أَوْ غَيْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ جِئْتَ بِعَبْدِ فُلَانٍ الْآبِقِ فَلَكَ كَذَا لَكَانَ جَعْلًا صَحِيحًا وَالْتِزَامًا لَازِمًا؟ وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَةٍ لِلْجَاعِلِ إمَّا عَاجِلًا، أَوْ آجِلًا، أَوْ عَاجِلًا وَآجِلًا وَلِذَلِكَ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلْفِعْلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بِنَحْوِ قَوْلِهِمْ أَصْعَدْ هَذَا الْجَبَلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[النَّوْعُ الْخَامِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ]
ِ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْمُلْتَزَمِ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ، أَوْ لِغَيْرِهِ شَيْئًا وَتَمْلِيكُهُ إيَّاهُ نَحْوُ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك، أَوْ دَارَك، أَوْ فَرَسَك، فَقَدْ الْتَزَمْتُ لَك بِكَذَا أَوْ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يُسَمِّيه، أَوْ فَقَدْ أَسْقَطْتَ عَنْك الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك، أَوْ إنْ أَعْطَيْت ذَلِكَ لِفُلَانٍ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَلَكَ عَبْدِي الْفُلَانِيُّ، أَوْ دَارِي، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ هِبَةِ الثَّوَابِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا سَمَّى فِيهَا الثَّوَابَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمِ عَلَيْهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ وَالْغَرَرِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مِمَّا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا آبِقًا وَلَا بَعِيرًا شَارِدًا وَلَا جَنِينًا وَلَا ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَعَامَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَرْدَبًّا مِنْ الْقَمْحِ فَلَكَ عِنْدِي قِنْطَارٌ مِنْ السَّمْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالطَّعَامَانِ حَاضِرَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ الْتَزَمَتْ لِي بِثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ فِي ذِمَّتِي عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت عَنِّي الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَلَكَ فِي ذِمَّتِي كَذَا وَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّلَ أَحَدُهُمَا بِأَجْلٍ مَجْهُولٍ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ مُمَيِّزًا وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا رَشِيدًا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتنِي، أَوْ إنْ مَلَكْتنِي، أَوْ إنْ وَهَبْتنِي، أَوْ إنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيَّ مِمَّا يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ حَتَّى لَفْظُ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُقْضَى فِيهَا بِالثَّوَابِ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ لَزِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute