يَضُرُّ شِرَاؤُهُ بِالنَّاسِ لَكَانَ مَا فَعَلَ مِنْ إعْطَائِهِ لَهُمْ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي وَقْتٍ يَضُرُّ احْتِكَارُهُ بِالنَّاسِ فَأَمَّا احْتِكَارُهَا فِي وَقْتٍ لَا يَضُرُّ احْتِكَارُهَا بِالنَّاسِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا إجَازَةُ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
الثَّانِي الْمَنْعُ مِنْ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.
الثَّالِثُ إجَازَةُ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا مَا عَدَا الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَهُوَ دَلِيلُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ.
الرَّابِعُ الْمَنْعُ مِنْ احْتِكَارِهَا كُلِّهَا مَا عَدَا الْإِدَامَ وَالْفَوَاكِهَ وَالْعَسَلَ وَالسَّمْنَ وَالتِّينَ وَالزَّبِيبَ وَشِبْهَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَعْنَاهُ فِي الْمَدِينَةِ إذْ لَا يَكُونُ الِاحْتِكَارُ فِيهَا أَبَدًا إلَّا مُضِرًّا بِأَهْلِهَا لِقِلَّةِ الطَّعَامِ بِهَا فَعَلَى قَوْلِهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ تَغْلِيَةُ الْأَسْعَارِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِاخْتِلَافِهِمْ بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَا عَدَا الْأَطْعِمَةَ مِنْ الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَالْحِنَّاءِ وَشَبَهِهَا مِنْ السِّلَعِ يَجُوزُ احْتِكَارُهَا إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(تَنْبِيهٌ) وَهَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّذْرُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا نَذْرًا أَوْ لَا يَلْفِظُ بِذِكْرِ النَّذْرِ فَيَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِكَذِبٍ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّذْرَ، وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ.
فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ النَّذْرَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْبَارِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا وَكَذَا عَلَى الْإِخْبَارِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى النَّذْرِ الَّذِي لَهُ فَائِدَةٌ وَفِيهِ طَاعَةٌ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ اهـ.
[فَصْلٌ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ]
(فَصْلٌ) وَهَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى صَدَقَةِ ثُلُثِ مَالِهِ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ ثُلُثِهِ مِنْ عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَدَيْنٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute