قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يُقْتَصُّ مِمَّنْ اتَّخَذَ كَلْبًا عَقُورًا لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلْبِ بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ كُلُّ حَيَوَانٍ مُؤْذٍ مُتَّخَذٍ وَالْجِدَارُ الْمَائِلُ وَالْعَقُورُ مَا يَعْقِرُ وَيُؤْذِي بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعَقْرِ وَهُوَ الْجَرْحُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِتَكَرُّرٍ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ هَذَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ: قَدْ أُنْذِرَ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تُقُدِّمَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ مُسْتَتِرٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ تَقَدَّمَ الْإِنْذَارُ فِيهِ.
وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ لِإِهْلَاكِ مُعَيَّنٍ مُحْتَرَمٍ وَأَهْلَكَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ وُجِدَتْ الْمُكَافَأَةُ وَمَا يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَقُورًا أَمْ لَا أُنْذِرَ صَاحِبُهُ أَمْ لَا وَإِنْ أَهْلَكَ غَيْرَهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ لِإِهْلَاكِ مَنْ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ وَأَهْلَكَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا ضَمِنَ دِيَتَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ عَقُورًا أَمْ لَا اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ أَهْلَكَ غَيْرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ لِإِهْلَاكِ مَنْ لَا يَجُوزُ إهْلَاكُهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقُورٍ فَلَا ضَمَانَ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَجْمَاءِ الَّتِي فِعْلُهَا جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا فَإِنْ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا اتَّخَذَهُ لِحِرَاسَةِ الدَّارِ ضَمِنَ إنْ أُنْذِرَ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ وَإِنْ اتَّخَذَهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ ضَمِنَ إنْ أُنْذِرَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَلَيْسَ مِثْلُ الْإِنْذَارِ هُنَا عِلْمُهُ أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ إنَّ عِلْمَهُ بِعُقْرِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِنْذَارِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَقَدَّمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اتَّخَذَهُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ وَبِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعُقْرِهِ لِلنَّاسِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ وَالتَّقَدُّمِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِشْهَادُ وَلِذَلِكَ قَالَ مُحَشِّي التَّتَّائِيُّ: قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُ كَلْبٍ عَقُورٍ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ قَيْدٍ تَقَدُّمِ الْإِنْذَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قَصَدَ الضَّرَرَ وَهَلَكَ الْمَقْصُودُ وَهَذَا لَا قَيْدَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْقَيْدُ حَيْثُ اتَّخَذَهُ لِمَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذٌ فِيهِ كَحِرَاسَةِ الزَّرْعِ وَالضَّرْعِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اتَّخَذَهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ حَتَّى يَتَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِ إنْ اتَّخَذَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِيهِ كَالدُّورِ وَشِبْهِهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَقُورٌ ضَمِنَ مَا أَصَابَ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ اتَّخَذَهُ فِي دَارِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ إنْ تَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِ انْتَهَى نَصًّا بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَعْلَ الْكَلْبِ لِحِرَاسَةِ دَارِهِ، أَوْ فُنْدُقِهِ مِنْ سَبِيلِ مَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ زَرْعِهِ، أَوْ ضَرْعِهِ فَيَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ اتِّخَاذَهُ لِلدُّورِ وَالْفَنَادِقِ يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ اهـ كَلَامُ الْعَدَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ جَمَلٌ عَضَّ آخَرَ فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ وَسَاعَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَاءِ أَفِيدُوا، وَفِي رَجُلٍ لَهُ جَامُوسَةٌ نَطَحَتْ امْرَأَةً فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا فَمَاذَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا غَيْرُ مَشْهُورَةٍ بِالْعَدَاءِ أَفِيدُوا، وَفِي جَامُوسَةٍ خَاضَتْ فِي غَنَمٍ فَشَقَّتْ جُلَّ بُطُونِهَا، أَوْ نَطَحَتْ أُخْرَى وَالْحَالُ أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ بِالْعَدَاءِ فَمَاذَا يَلْزَمُ رَبَّهَا وَضِّحُوا.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْجَمَلِ فِي الْأُولَى وَلَا الْجَامُوسَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَيْثُ كَانَتْ جِنَايَتُهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِ فَاعِلٍ مَعَهَا ضَمِنَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[رَجُل لَهُ شَبٌّ جَامُوسٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَاءِ فَافْتَرَسَ رَجُلًا أَوْ دَابَّةً]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ شَبٌّ جَامُوسٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَاءِ فَافْتَرَسَ رَجُلًا، أَوْ دَابَّةً فَمَاذَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute