للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْجَنَابِ الْمُعَظَّمِ وَرَدْعًا لِلسُّفَهَاءِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْبَشَاعَةِ وَالسَّفَاهَةِ وَكَذَا إنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ حَقْنًا لِلدَّمِ وَبُعْدًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ الصَّعْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَصِيغَةُ الثَّانِي شَرْطِيَّةٌ لَا تَقْتَضِي وُقُوعَ مَا عَلَّقَهُ مِنْهُ نَعَمْ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَوْ سَبَّنِي مَلِكٌ لَسَبَبْته الْمُوجِبُ لِلْأَدَبِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَتْلِ وَلَفْظُ الثَّالِثِ إنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ بِهِ الْمُشَاكَلَةُ وَأَنَّهُ سَمَّى الْجَزَاءَ عَلَى الظُّلْمِ بِاسْمٍ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَتْلِ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ وَكَذَا إنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى شَيْءٍ حَقْنًا لِلدَّمِ وَتَخَلُّصًا مِنْ التَّكْفِيرِ الصَّعْبِ فَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى نِسْبَةِ مَا ذَكَرَ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ.

وَالرَّابِعُ: لَا يُتَوَهَّمُ ارْتِدَادُهُ بِمَا قَالَ.

وَالْخَامِسُ: إنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ تَحْقِيرَ الشَّخْصَ الْمُسَمَّى بِعَبْدِ الْحَمِيدِ وَأَنَّهُ لِحَقَارَتِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى عَبْدَ الطِّينِ أَوْ السُّخَامِ أُدِّبَ بِالِاجْتِهَادِ لِلْإِيذَاءِ وَالتَّعَدِّي وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى قَصْدِهِ التَّعَرُّضَ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ وَالتَّغْيِيرَ لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى السُّنِّيَّةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى شَيْءٍ فَكَالْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْبُرْزُلِيِّ عِيَاضٌ إنْ أَتَى الْمُتَكَلِّمُ بِكَلَامٍ مُشْكِلٍ أَوْ أَتَى بِكَلَامٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالْوُقُوعِ فِي شَرٍّ فَهُوَ مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَى حِمَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَسَرَ عَلَى الْقَتْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَظَّمَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَدَرَأَ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى.

وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ سَبَّ رَجُلًا فَعَزَّ عَلَى الثَّانِي فَفَهِمَ الْأَوَّلُ هَذَا عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَيَشُقُّ عَلَيْك أَنْ أُوجِعَك فَبِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَوْ أَنَّ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا يَسُبُّنِي لَرَدَدْت عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا سَبَّنِي بِهِ.

وَرَجُلٌ عَشَّارٌ طَلَبَ مِنْ آخَرَ قَبَالَةً فَهَدَّدَهُ الْآخَرُ بِأَنْ يَشْكُوَهُ فَقَالَ الْعَشَّارُ اغْرَمْ وَاشْتَكِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ الْحَالِفُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُتَهَاوِنٌ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بِالْخَيْرِ وَلَا يُتَّهَمَ فِي اعْتِقَادِهِ فَيُتَجَافَى عَنْهُ وَيُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ وَأَمَّا الْعَشَّارُ الْقَائِلُ لِمَا ذُكِرَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ بِكُلِّ حَالٍ اهـ.

وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ بِقَوْلِهِ أَتَى الرَّجُلُ الْمَسْبُوبُ بِعَظِيمٍ مِنْ الْقَوْلِ وَاجْتِرَاءٍ عَلَى مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْبِيَائِهِ تَعَالَى وَاسْتَخَفَّ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِمْ وَغَضَّ مِنْ تَوْقِيرِهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ إلَّا أَنَّ السَّبَّ الَّذِي وَعَدَ بِهِ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ قَالَهُ وَوُجِدَ مِنْهُ لَاسْتَبَحْت نَفْسَهُ وَسَفَكْت دَمَهُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ الَّذِي أَرَى أَنْ يُضْرَبَ الضَّرْبَ الْوَجِيعَ الْمُبَرِّحَ بِالسَّوْطِ وَيُطَالَ حَبْسُهُ فِي السِّجْنِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْعَشَّارِ أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَمَقَتَهُ، وَلَوْ عُرِفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالِاسْتِخْفَافِ فِي مِثْلِ هَذَا لَكَانَا مَحْقُوقَيْنِ بِالْقَتْلِ دُونَ اسْتِتَابَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[حُكْم مِنْ قَالَ إِن آدَم عصى ربه]

وَفِيهِ أَيْضًا وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى عَنْ الْبَرْجِينِيِّ مَنْ قَالَ إنَّ آدَمَ عَصَى رَبَّهُ قُتِلَ فَإِنْ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ يُقَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مَعَ عِبَادِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَتَمْثِيلُ النُّحَاةِ لِلَمْ وَلَمَّا بِقَوْلِهِمْ وَلَمَّا عَصَى آدَم رَبَّهُ وَلَمْ يَنْدَمْ كُفِّرَ وَكُفْرُهُ أُخْرَوِيٌّ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَنْدَمْ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْقَدْحِ وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت عَصَيْته فَقَدْ عَصَى آدَمَ فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كُنْت رَعَيْت فَقَدْ رَعَى آدَمَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّنْقِيصِ بِالتَّأَسِّي فَيُقْتَلُ اهـ.

وَفِي الْمَدْخَلِ وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إنَّ مَنْ قَالَ عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي غَيْرِ التِّلَاوَةِ وَالْحَدِيثِ إنَّهُ عَصَى أَوْ خَالَفَ فَقَدْ كَفَرَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>