للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَسَرَّى عَلَيْهَا فَأَمْرُ السُّرِّيَّةِ بِيَدِهَا إنْ شَاءَتْ بَاعَتْهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَمْسَكَتْهَا لَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ. فِيهَا خِلَافٌ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَوَجْهُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَلْزَمُهُ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ مُفْتَرَقٌ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ أَنَّهَا وَكَالَةٌ مِنْهُ لَهَا وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ وَكَالَتِهِ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الَّذِي حَفِظْنَاهُ عَنْ الشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَحْته عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهَا عِوَضًا فَيَلْزَمُهُ كَالْمُبَايَعَةِ اهـ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَعَزَاهَا لِسَمَاعِ أَصْبَغَ، وَلَمْ أَرَهَا فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.

قُلْت: وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ ابْنِ نَافِعٍ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ مَا يُكْتَبُ الْآنَ فِي مُسْتَنَدَاتِ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ لِلْمُشْتَرِي مَتَى قَامَ وَادَّعَى فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ خَاصَمَ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ كَذَا وَكَذَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَيْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ آثِمٌ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَلْيُخْرِجْهُ كَمَا أَوْجَبَ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ لَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهِ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ.

وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا قَالَ فِي عَقْدٍ مَتَى قَامَ بِجَائِحَةٍ فَعَلَيْهِ كَذَا لِمَرْضَى قُرْطُبَةَ وَقَامَ بِهَا أَمْرٌ بِإِعْطَاءِ ذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَيَأْثَمُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ الْوَفَاءَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ اهـ.

قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا الِاسْتِحْبَابَ مِنْ ظَاهِرِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْحَاجِّ وَمِثْلُهُ دَلَّالٌ الْتَزَمَ إنْ زَادَ شَيْئًا عَلَى نِصْفِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ لِلْمَرْضَى كَذَا فَثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَجَاءَ مَعَهُ وَكِيلُ الْمَرْضَى فَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ لُزُومِهِ وَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَهِيَ كَالصَّدَقَةِ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ الَّتِي فِي سَمَاعِ يَحْيَى اهـ. وَمُرَادُهُ بِسَمَاعِ يَحْيَى الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ.

[فَرْعٌ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ]

(فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا عَدَا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَمِينٍ. قَالَ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ، أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ وَعَدَهُ بِالْعِتْقِ، أَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَأُمِرَ بِعِتْقِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّذْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>