عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ.
[قَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ لِلْقَاضِي اعرض عَلَيَّ شَهَادَتهمْ فَإِن كَانَ فِيهَا مَا لَا يرضيني دفعته]
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلْقَاضِي اعْرِضْ عَلَيَّ شَهَادَتَهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا لَا يُرْضِينِي دَفَعْتُهُ فَيَلْزَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا مَحْضُ الْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الشُّهُودَ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ]
(مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الشُّهُودَ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُصُومَةَ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَرَدَدْت شَهَادَتَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي فَصْلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ انْتَهَى، وَنَصُّهُ فِي فَصْلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يَثْبُتُ بِهِمْ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ لِإِرْجَاءِ الْحُجَّةِ لَهُ فِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَائِهِمْ وَكَانَ الْحَاكِمُ لَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَمْضِي إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فَإِنْ قَدِمَ هَذَا الْغَائِبُ وَأَرَادَ رَدَّ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَأَنْ يَبْتَدِئَ الْخُصُومَةَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ إذَا تَعَلَّلَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَرَدَدْت شَهَادَتَهُ عَنِّي وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَا يَنْفُذُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ الْغَائِبُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفُذُ وَلَكِنَّهَا مَطْرُوحَةٌ عِنْدَ الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَسَجَنَهُ شَيْخُ بَلَدِهِ لِدَفْعِهِ فَبَاعَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ لِذَلِكَ وَبَعْدَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ أَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى سَيْبِهِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَهَلْ إذَا حَكَمَ حَاكِمْ مَالِكِيٌّ بِمُضِيِّ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ اسْتَفْتَى الْبَائِعُ شَافِعِيًّا فَأَفْتَى بِرَدِّهِ يَمْضِي الْحُكْمُ وَتُلْغَى الْفَتْوَى وَيُمْنَعُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ كِنَانَةَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ لَازِمٌ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ اللَّخْمِيُّ وَالْإِمَامُ السُّيُورِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ هِلَالٍ وَالْعَقَبَانِيُّ وَالسَّرَقُسْطِيُّ وَالْقِشْتَالِيُّ قَاضِي فَاسَ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَعَمِلَ بِالْإِمْضَاءِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَ الْمَجْمُوعِ انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَوَاحِدٌ لَا يُعَادِلُ أَهْلَ الْمَذْهَبِ نَاشِئٌ عَنْ قُصُورِ الْبَاعِ وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَجُمُودِ الْقُرْحَةِ وَالْوَقَاحَةِ الصَّرِيحَةِ وَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْقَائِلُ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ وَالتَّحْدِيدِ كَيْ لَا يَعُودَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَلَا يَتَجَرَّأَ عَلَى الْأَحْكَامِ وَيَلْتَزِمَ الْأَدَبَ وَالتَّوْفِيرَ لِحَضْرَةِ الْأَئِمَّةِ النَّقَّالَةِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِمَا ذُكِرَ مَاضٍ رَافِعٌ لِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ تَنْفِيذُهُ وَلَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ الْفَتْوَى بِهِ وَلَوْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَالْمُعَارَضَةُ فِيهِ فِسْقٌ وَضَلَالٌ مُوجِبَةٌ لِلْأَدَبِ وَالنَّكَالِ وَإِنْ وَقَعَ حُكْمٌ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ بِخِلَافِهِ وَجَبَ نَقْضُهُ وَتَأْدِيبُ الْحَاكِمِ إنْ عَلِمَ الْحُكْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute