صَرَّحَ فِي نَذْرِهِ بِلَفْظِ لِلَّهِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلنَّذْرِ صِيغَتَيْنِ: لِلَّهِ عَلَيَّ وَعَلَيَّ بِدُونِ لِلَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا سِنَّ الضَّحِيَّةِ، وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عُيُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَإِهْدَاءُ ثَوَابِهِ لِرُوحِ الْوَلِيِّ، وَلَا يَدْفَعُهَا حَيَّةً بَلْ يَذْبَحُهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَلَا يُطْعِمُ مِنْهَا الْغَنِيَّ، وَلَا يَحْسِبُ نَفَقَتَهَا، وَلَهُ إبْقَاؤُهَا حَيَّةً وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ لَحْمِهَا وَيَفْعَلُ بِهَا حِينَئِذٍ مَا شَاءَ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَمَّا إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ وَنَحْوَهُمْ كَمَا هِيَ عَادَةُ فَلَاحِي مِصْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرِيُّ بِمَا نَصُّهُ: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ أَوْ لِوَلِيٍّ شَاةً الْأَكْلُ مِنْهَا وَإِطْعَامُ الْغَنِيِّ أَوْ لَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّذْرُ إنْ عَيَّنَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ جَازَ الْأَكْلُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْأَغْنِيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ.
[فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ أَوْ زَيْتٍ يَتَمَسَّحُ بِهِ يُوهِمُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً لِأَجْلِ غَرَضِ الدُّنْيَا فَهَلْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الزَّيْتُ مِنْ الْوَقْفِ فَفِيهِ حُرْمَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: صَرْفُ الْوَقْفِ فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ الْوَاقِفُ، وَأَمَّا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ لِخَادِمِ ضَرِيحِ الْوَلِيِّ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ دَافِعِهِ الصَّدَقَةُ لَا الْمُعَاوَضَةُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا بَرَكَةَ فِي التَّمَسُّحِ بِتُرَابِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَبَقِيَّةِ الزَّيْتِ الَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ إنَّمَا الْبَرَكَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.
قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي مَبْحَثِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْ الزَّائِرِ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ دَاخِلِ الدَّرَابِيزِ الَّتِي هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ مَحَلُّ احْتِرَامٍ وَتَعْظِيمٍ فَيُنَبِّهُ الْعَالِمُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ هُنَاكَ فَتَرَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأَصْنَامَ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّمَسُّحَ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بِجُدْرَانِ الْمَسَاجِدِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِهِ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ وَلِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّعْظِيمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ عَظَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَتَّبِعُهُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute