للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهِجَاءِ وَهِيَ حُرُوفُ الْمَبَانِي الَّتِي تُبْنَى مِنْهَا الْكَلِمَاتُ أَيْ تُرَكَّبُ ثُمَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ قَدْ تَكُونُ أَسْمَاءً لِتِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمُفْتَتَحِ بِهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ فَإِنَّ نُونًا مَثَلًا اسْمُ نُونٍ وَصَادًا اسْمُ صَادٍ، وَلِذَلِكَ تُرْسَمُ بِالْمُسَمَّيَاتِ وَتُقْرَأُ بِالْأَسْمَاءِ.

وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُقْرَأُ الْمُسَمَّيَاتُ نَفْسُهَا كَمَا يَقَعُ فِي بَاءِ الْجَرِّ وَوَاوِ الْعَطْفِ فَإِنَّهُ يُعْطَفُ بِنَفْسِ حَرْفِ الْمَعْنَى لَا بِاسْمِهِ فَإِنْ أَرَادَ السَّائِلُ هَذَا الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ فَلْيُفْصِحْ عَنْهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِجَمِيعِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَعْدَادَ الْمَسْرُودَةَ وَالنِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ وَعَذَابَ الْكُفَّارِ الدَّائِمَ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ لَا نِهَايَةَ لَهَا.

فَإِنْ قُلْتُمْ يَعْلَمُهَا تَفْصِيلًا لَزِمَ أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا وَإِنْ قُلْتُمْ يَعْلَمُهَا إجْمَالًا لَزِمَ الْجَهْلُ بِتَفْصِيلِهَا وَهُوَ عَلَيْهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا لَزِمَ الْجَهْلُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَهُوَ عَلَيْهِ تَعَالَى مُحَالٌ اكْشِفُوا لَنَا اللِّثَامَ عَنْ هَذَا الْمَرَامِ.

فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا؛ تَوَقُّفُ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ عَلَى التَّنَاهِي إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ الْحَادِثِ فَقَطْ لِضِيقِ دَائِرَتِهِ وَقِصَرِ تَعَلُّقِهِ.

وَأَمَّا الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَعَلُّقُهُ عَامٌّ لَا يَتَنَاهَى فَيَتَعَلَّقُ تَفْصِيلًا بِمَا لَا يَتَنَاهَى، فَإِنْ قِيلَ مَا كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ الَّذِي تَعَلُّقُهُ لَا يَتَنَاهَى؟ فَجَوَابُهُ الْبَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ عِلْمِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ وَلَا تَسَعُهُ الْعُقُولُ بَلْ نَقُولُ يَعْلَمُ بِلَا كَيْفٍ كَمَا نَقُولُ مَوْجُودٌ بِلَا كَيْفٍ وَمَنْ يُؤْمِنُ بِمَوْجُودٍ بِلَا مَكَان وَلَا زَمَانٍ وَلَا أَوَّلٍ وَلَا آخِرٍ لَا يَسْتَبْعِدُ مِنْهُ عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا بِمَا لَا يَتَنَاهَى سُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[عَذَاب الْقَبْر]

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي اعْتِقَادِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ بِالنَّارِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا النَّارَ عِيَانًا فِي الْقَبْرِ فَهَلْ مَا يَزْعُمُونَهُ صَحِيحٌ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

فَأُجِيبَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ اعْتِقَادُهُمْ صَحِيحٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: ٤٦] وَالْأَحَادِيثُ بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا التَّوَاتُرَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا ذَلِكَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَقْلًا وَوَرَدَ بِوُقُوعِهِ الشَّرْعُ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ وَمَا يَزْعُمُونَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ نَادِرٌ جِدًّا فَفِي مُخْتَصَرِ تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ لِلشَّعْرَانِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي مَسْأَلَتِهِ إذَا كَانَتْ عَقِيدَتُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى مُخْتَلِفَةً فَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ رَبِّي وَيَأْخُذُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً يَشْتَعِلُ عَلَيْهِ بِهَا قَبْرُهُ نَارًا ثُمَّ تُطْفَأُ عَنْهُ أَيَّامًا ثُمَّ تُشْعَلُ أَيَّامًا هَذَا دَأْبُهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِقَوْلِهِ وَالْإِسْلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>