نَظَرِ إمَامِهِ أَوْ عَكْسُهُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ فِي نَظَرِهِمَا مَعًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُ شِهَابِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا مَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ الْقَوْلَيْنِ إجْمَاعًا تَدَافَعَ وَتَنَاقَضَ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَبْصِرَتِهِ وَبَيَانِهِ بِأَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِأَحَدِهِمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ يَنْظُرُ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا.
[تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ]
وَقَوْلُهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ إلَّا بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ هَلْ فِي الْقَوْلَيْنِ رَاجِحٌ أَوْ لَا حَتَّى يَعْجِزَ وَيَحْصُلَ التَّسَاوِي.
قُلْت لَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ مَا كُلِّفَ فِيهِ بِالنَّظَرِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ فِي الْقَوْلَيْنِ رَاجِحٌ وَمَرْجُوحٌ وَالْمُقَلِّدُ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ، وَحَيْثُ أَجَازَ الْحُكْمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فَرَضَ الْقَوْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ لَا رَاجِحَ فِيهِمَا فِي نَظَرِهِ فَلَا تَدَافُعَ لِعَدَمِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ أَمَّا الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ وَمُدَافَعٌ لَهُ قُلْت الَّذِي حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَمَنْعِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُفْتِيَ بِالرَّاجِحِ فِي نَظَرِهِ وَلَا فِي نَظَرِ مُقَلِّدِهِ وَإِمَامِهِ مَعًا وَاَلَّذِي جَوَّزَ فِيهِ الْحُكْمَ وَالْفَتْوَى بِالْمَرْجُوحِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ رَاجِحًا فِي نَظَرِ مَتْبُوعِهِ مَرْجُوحًا فِي نَظَرِهِ هُوَ فَلَمْ يَخْرُجْ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ عَنْ الرَّاجِحِ جُمْلَةً وَفِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ جُمْلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ صَاحِبُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُقَلِّدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْتَفْتِيَ عَلَى قَوْلٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِأَفْضَلَ وَإِنَّمَا الْمُفْتِي الْمُقَلِّدُ بِمَثَابَةِ مَنْ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ فِي بَيْتِهِ لِأَقْوَامٍ شَتَّى فَعَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَصِيَّتِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَوْ تَرَكَ فَنَقُولُ هَذَا خِلَافٌ لِمَا قَدَّمْته وَمُبَايِنٌ لِمَا قَرَّرْته وَأَتْمَمْته قُلْت لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَحْمَلُ هَذَا عَلَى الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ الَّذِي لَا حَظَّ لَهُ فِي مَدَارِك التَّرْجِيحِ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَيْسَ مِنْ وَظِيفَتِهِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْيِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ.
وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الَّذِي الْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي جَوَابِهِ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى أَطْرَافِ التَّرْجِيحِ وَتَمْيِيزِ الْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالشَّاطِبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ فَتْوَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ لَا هُوَ مُمْسِكُهَا وَلَا هُوَ مُطَلِّقُهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلُونَ يُؤْمَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute