إذَا سَأَلَ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَرَعِ أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْتِيَ الْأَعْلَمَ الْأَوْرَعَ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِسَعَةِ عِلْمِهِ وَتَوَرُّعِهِ مِنْ التَّهَجُّمِ عَلَى الْفُتْيَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ تَجُوزُ الْفُتْيَا بِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الصَّحِيحَةِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَرَأَيْت مَنْ كَانَ يَرْوِي كُتُبَك هَذِهِ وَكُتُبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحْسِنُ التَّمْيِيزَ.
قُلْت فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ إلَّا أَنَّهُ حَافِظٌ بِأَقَاوِيلِ النَّاسِ هَلْ يُفْتِي قَالَ أَمَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَنَعَمْ وَأَمَّا مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ فَلَا، قَالَ وَرَأَيْت مِنْ بَعْضِ أَجْوِبَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ أَجَازَ الْفُتْيَا بِمَا فِي الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ مَنْ اشْتَرَى كُتُبَ الْعِلْمِ أَوْ وَرِثَهَا ثُمَّ أَفْتَى بِهَا وَلَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى الْفُقَهَاءِ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا وَذَكَرَ الْقَاضِي حَدِيثًا مَرْفُوعًا «لَا يُفْتِي أُمَّتِي الصُّحُفِيُّونَ وَلَا يُقْرِئُهُمْ الْمُصَحِّفُونَ» قَالَ غَيْرُهُ فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عُوقِبَ بِالسَّوْطِ، وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ لِبَعْضِ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْتِي الْعَالِمُ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا.
قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ الْعُلَمَاءَ قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ اهـ مِنْ الْمِعْيَارِ وَفِيهِ (وَسُئِلَ) أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ بِالشَّرِيعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ كَالرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْخٍ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ تَعْلِيمُ النَّاسِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى أَحَدٍ لَا يَنْبَغِي اهـ.
(وَسُئِلَ) عَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَكُونُ عِنْدَهُمْ طَالِبٌ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ وَيُفْتِي مِنْهَا النَّاسَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ يَفْهَمُهُ مِنْهَا فِي أُمُورِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَيَرَى أَنَّ تَعْلِيمَهُمْ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى جَهْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُعَلِّمْهُمْ ذَلِكَ بَقُوا عَلَى حَالِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَسْأَلُونَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ قَطُّ عَلَى شَيْخٍ أَوْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّهِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنُوا لَنَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ بِمَا يَرَى فِي الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الشَّيْخِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهُ أَمْ لَا انْتَهَى.
[صفة الِانْتِقَال مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ]
(وَسُئِلَ) الْفَقِيهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ عَنْ صِفَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ.
فَأَجَابَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ لَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَيَبْدُو لَهُ وَيَنْتَقِلُ إلَى تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهُ. الصُّورَةُ الْأُخْرَى أَنْ يَنْتَقِلَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي نَازِلَةٍ خَاصَّةٍ، وَيَبْقَى