للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حياة الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي قُبُورِهِمْ]

مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشُّهَدَاءِ هَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَنْكِحُونَ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ الْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ؛ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ لَكِنْ لَا عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا حَدِيثٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَالْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَفَ شَهِيدَ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ أَيْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ اتِّصَافِ هَيْكَلِ شَهِيدِ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: ١٦٩] وَأَنَّ حَيَاتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كَمَا تُرْزَقُ الْأَحْيَاءُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهَا

قَالَ الْجُزُولِيُّ وَحَيَاتُهُمْ غَيْرُ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ لَكِنْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي كَيْفِيَّتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَالْحَيَاةُ كَيْفِيَّةٌ يَلْزَمُهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ أَوْ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْعِلْمَ وَقَوْلُنَا اتِّصَافُ هَيْكَلٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ مِنْ اتِّصَافِ الذَّاتِ وَالرُّوحِ جَمِيعًا وَالْمُرَادُ بِشَهِيدِ الْحَرْبِ الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ مُفَارَقَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَقْتُولٍ عَلَى الْحَقِّ كَالْمَجْرُوحِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ مُقَارَفَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ كَمَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الدُّنْيَا لَا ثَوَابُهُمْ الْكَامِلُ وَأَمَّا الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَالْأَوَّلِ فِي الثَّوَابِ لَكِنَّهُ دُونَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ وَأَحْكَامِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةٌ شَهِيدُ دُنْيَا وَآخِرَةٍ وَشَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ وَشَهِيدُ آخِرَةٍ فَقَطْ وَهَذَا الثَّالِثُ خَرَجَ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: وَصْفُ شَهِيدِ الْحَرْبِ بَعْدَ شُمُولِهِ الْأَوَّلِينَ وَإِرَادَةُ الْغَنِيمَةِ أَوْ الْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ وَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ أَيْ دَخَلَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُهَا إلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ انْتَهَى.

قَالَ مِحَشَّيْهِ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ هَيْكَلٍ هُوَ الشَّخْصُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الرُّوحِ وَالْجِسْمِ كَمَا سَيَقُولُ الشَّارِحُ قَوْلُهُ الْكَامِلَةُ مَعْنَى كَمَالِهَا: تَعَلُّقُهَا بِكُلٍّ مِنْ الرُّوحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>