[الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى آلِ كُلٍّ وَصَحْبِهِمْ وَالتَّابِعِينَ.
(وَبَعْدُ) فَالْغَرَضُ ذِكْرُ مَا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُسْتَبْدَلُ بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ الْمُنَاقَلَةُ بِهِ أَوْ كِرَاؤُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ رَابِعِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ الْأَحْبَاسُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَالِاسْتِبْدَالُ بِهَا إذَا انْقَطَعَتْ الْمَنْفَعَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ مَثَلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي نَفَقَتِهِ فَيَضُرُّ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ حَبْسًا فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقِسْمٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مَا يُرْجَى أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَقِسْمٌ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ، وَهُوَ مَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ أَنْ يَعُودَ، وَلَا ضَرَرَ فِي إبْقَائِهِ وَخَرَابِ الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ انْتَهَى.
فَجُعِلَ الرَّبْعُ الْمُحْبَسُ إذَا خَرِبَ وَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّبْعُ الْخَرَابُ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْعُمْرَانِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَنَصُّهُ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْحَبْسِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ وَعَادَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا وَرُجِيَ أَنْ تَعُودَ مَنْفَعَتُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا، وَلَا تُرْجَى مَنْفَعَتُهُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَبِيعَةُ الْبَيْعَ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمَا، وَلَا يُبَاعُ مَا خَرِبَ مِنْ الرِّبَاعِ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ إصْلَاحِهِ وَقَدْ يَقُومُ مُحْتَسِبٌ لِلَّهِ فَيُصْلِحُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَقِبٍ فَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُهُمْ فَيُصْلِحُهُ وَمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ، وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ فِي الرِّبَاعِ الْمَنْعُ لِئَلَّا يَتَذَرَّعُ النَّاسُ إلَى بَيْعِ الْأَحْبَاسِ ا. هـ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ، وَإِنْ خَرِبَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ جَوَازَهُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ وَعَزَا الْجَوَازَ لِابْنِ الْقَاسِمِ جَرْيًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الثِّيَابِ إذَا بَلِيَتْ إلَّا أَنَّهُ قَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى مَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ إصْلَاحُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِمَدِينَةٍ فَلَا يُبَاعُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ بِاتِّفَاقٍ فَجَعَلَهُ بَعْضُ شُيُوخَنَا قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى.
وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَفِيهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مَنْعُ بَيْعِ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِسَ مُطْلَقًا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُبَاعُ دَارُ حَبْسٍ خَرِبَتْ لِيَبْتَاعَ دُونَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا لِرَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا وَلِيَ ذَلِكَ لِخَرَابِهِ، وَهِيَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ اللَّخْمِيِّ لَا يُبَاعُ إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ إذْ لَا يَيْأَسُ مِنْ صَلَاحِهِ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَبَعْضِ عَقِبٍ وَمَا بَعُدَ عَنْ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ صَلَاحُهُ جَرَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أُخِذَ بِهِ الْمَنْعُ خَوْفَ كَوْنِهِ ذَرِيعَةً لِبَيْعِ الْحَبْسِ.
قُلْت فَفِي مَنْعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ لِلْمَعْرُوفِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ وَنَقْلُ اللَّخْمِيُّ ا. هـ. كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute