للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَّا الْيَوْمَ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ عَنْ آدَمَ إلَّا إذَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى عَنْهُ أَوْ قَوْلِ نَبِيِّهِ فَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَنَا فِي آبَائِنَا الْأَدْنَيْنَ الْمُمَاثِلِينَ لَنَا فَكَيْفَ فِي أَبِينَا الْأَقْدَمِ الْأَعْظَمِ الْأَكْبَرِ النَّبِيِّ الْمُقَدَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ انْتَهَى.

وَفِيهِ أَيْضًا وَنَقَلْت مِنْ خَطِّ الْغِرْيَانِيِّ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ السِّيَرِ وُقِّعَتْ بِمِدَادٍ ضَعِيفٍ عَلَى مَنْ يُرِيدُ قِرَاءَتَهُ فَقَالَ طَالِبٌ هَذِهِ سِيرَةٌ رَدِيئَةٌ فَقِيمَ عَلَيْهِ وَأُنْكِرَتْ مَقَالَتُهُ وَشُنِّعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُتَأَوَّلْ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخْرِجُهُ عَنْ تَشْنِيعِ مَا وَقَعَ فِيهِ.

قُلْت وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَلْزَمُهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْقَائِلِ فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي دِينِهِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ وَيُخْتَبَرُ أَمْرُهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ عُوقِبَ وَسُرِّحَ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ رِيبَةٌ قَوِيَّةٌ أُطِيلَ حَبْسُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْخَطَّ لِسِيَاقِ الْقَضِيَّةِ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ انْتَهَى.

[ضَابِطُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ]

وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ الْأَبْيَانِيُّ وَغَيْرُهُ ضَابِطُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا مَا يَكُونُ نَفْسُ اعْتِقَادِهِ كُفْرًا كَإِنْكَارِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الَّتِي لَا يَكُونُ صَانِعًا إلَّا بِهَا وَجَحْدِ النُّبُوَّاتِ.

الثَّانِي: صُدُورُ مَا لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ.

الثَّالِثُ: إنْكَارُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى تَكْذِيبِ الشَّارِعِ وَنَحْوُ هَذَا الضَّابِطِ ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى.

وَفِي ابْنِ سَلَّمُونِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدٍ بِالْكُفْرِ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَمَّا الِاثْنَانِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِمَا.

فَأَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَدْ وَرَدَ السَّمَاعُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ نَحْوُ اسْتِحْلَالِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ وَتَرْكِ فَرَائِضِ الدِّينِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالرُّسُلِ وَجَحْدِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَبِهَذَا الْقِسْمِ يُلْحِقُ تَارِكَ الصَّلَاةِ مَنْ كَفَّرَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا ظَوَاهِرُ آثَارٍ مُحْتَمَلَةٍ.

وَالثَّالِثُ: الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا يُعْلَمُ أَنَّ قَائِلَهُ لَا يُمْكِنُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَدِّقُ بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ حَكَمَ بِالْكُفْرِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مَنْ كَفَّرَهُمْ بِمَآلِ قَوْلِهِمْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا آيَةٌ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦] وَأَمَّا الْقَطْعُ عَلَى أَحَدٍ بِكُفْرٍ أَوْ إيمَانٍ فَلَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبْطِنَ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ إلَّا بِتَوْقِيفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا أَوْ يُظْهِرُ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بِهِ اهـ.

وَفِي الْبُرْزُلِيِّ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ سَبَّ أَوْ دَعَا أَوْ تَنَقَّصَ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ.

وَالثَّانِي قَصْدُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ فَإِنْ عُدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَاَلَّذِي عِنْدِي فِيهَا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ أَدَبًا مُوجِعًا وَيُطَالُ حَبْسُهُ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَزْدَرِي الصَّلَاةَ وَرُبَّمَا ازْدَرَى الْمُصَلِّينَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ مَلَأٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْهُمْ مَنْ زُكِّيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُزَكَّ فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِازْدِرَاءِ بِالْمُصَلِّينَ لِقِلَّةِ اعْتِقَادِهِ فِيهِمْ فَهُوَ مِنْ سِبَابِ الْمُسْلِمِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَمَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى ازْدِرَاءِ الْعِبَادَةِ فَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ رِدَّةٌ لِإِظْهَارِهِ إيَّاهُ وَشُهْرَتِهِ بِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا زَنْدَقَةٌ وَيُجْرَى عَلَى أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ اهـ.

قُلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>