للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَلِّدًا لِإِمَامِهِ فِيمَا عَدَاهَا.

وَأَمَّا حُكْمُهُ فَنَقَلَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: جَوَازُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ جَوَازُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا تَقْلِيدُ إمَامِهِ وَمَنْعُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا تَقْلِيدُ إمَامِهِ اهـ.

[هَلْ يَجُوز التَّقْلِيد مُطْلَقًا]

(وَسُئِلَ) بَعْضُهُمْ هَلْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟

فَأَجَابَ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ السُّنُوسِيَُّ بِمَا نَصُّهُ: " اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ بِاعْتِبَارِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُجْتَهِدٌ اجْتَهَدَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَا وَمُجْتَهِدٌ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ وَعَالِمٌ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بُيِّنَتْ لَهُ أَدِلَّةُ الْأَقْوَالِ فَهِمَ الرَّاجِحَ مِنْهَا مِنْ الْمَرْجُوحِ، وَعَامِّيٌّ مَحْضٌ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ الَّذِي ظَنَّ الْحُكْمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا خَفَاءَ أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي حَقِّهِ مُحَرَّمٌ.

وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الَّذِي هُوَ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ فِي حَقِّهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ التَّقْلِيدِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ الْمُمْكِنِ إلَى بَدَلِهِ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ قَوْلُهُمْ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاجْتِهَادِ تَمْنَعُ التَّقْلِيدَ وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحُكْمِ فِي الْحَالِ صَارَ كَغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَجُوزُ فِي حَقِّهِ التَّقْلِيدُ.

وَثَالِثُهَا: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حَقِّ الْقَاضِي لِحَاجَتِهِ إلَى تَنْجِيزِ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ مَوَادِّ النِّزَاعِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ بَقَاءَهَا يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ دِينًا وَدُنْيَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

وَرَابِعُهَا: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ لِظُهُورِ رُجْحَانِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَدْنَى.

وَخَامِسُهَا: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ عِنْدَ ضِيقِ الِاحْتِيَاجِ إلَى حُكْمِهَا كَصَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضِقْ.

وَسَادِسُهَا: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يَخُصُّهُ دُونَ مَا يُفْتِي بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَفْتَى الَّذِي عُرِفَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ رَأْيُهُ لَا رَأْيَ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي لَمْ يَصِلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْعَامِّيُّ الْمَحْضُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مُسَاوٍ وَيَنْبَغِي لَهُمَا فِي الْمُسَاوِي السَّعْيُ فِي رُجْحَانِهِ لِيَتَّجِهَ لَهُمَا اخْتِيَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ الْتِزَامِ الْمُقَلِّدِ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا هَلْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْتِزَامُهُ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَثَالِثُهَا الْفَرْقُ فَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ فِيمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدْءًا الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْتَنَعُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ فِي الْمَذَاهِبِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَقِيلَ لَا يُمْتَنَعُ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِتَفْسِيقِ مُتَتَبِّعِ الرُّخَصِ.

[التَّقْلِيدُ فِي الرُّخْصَةِ]

أَمَّا التَّقْلِيدُ فِي الرُّخْصَةِ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ خَوْفَ فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَلَى صِحَّةِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>