للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمُقَلِّدِ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ مُسْتَنَدُهُ فِيمَا قَلَّدَهُ فِيهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ فِي نَازِلَةٍ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ مُسْتَنَدُ مَنْ أَرَادَ تَقْلِيدَهُ فِي الْحُكْمِ لِيَسْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ الْجَائِزِ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّيِّ الْمَحْضِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ وَبَيْنَ الْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ لِمُجْتَهِدٍ فِي نَازِلَةٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ فِيهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَهْمِ مُسْتَنَدَاتِ الْأَحْكَامِ إذَا بُيِّنَتْ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي إذَا سُئِلَ عَنْ نَازِلَةٍ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهَا مُجَرَّدًا عَنْ الدَّلِيلِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَنْظُرُ فِي حَالِ السَّائِلِ هَلْ هُوَ عَامِّيٌّ أَوْ عَالِمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ جَرَى الْعَمَلُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَفْضُولَ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مُطْلَقًا أَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولًا أَوْ لَا وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ، وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ مَفْضُولًا بَلْ اعْتَقَدَهُ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَفْضَلَ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَرْجَحِ عَلَى الثَّانِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَرْجَحِ لِامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ غَيْرَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ، فَالرَّاجِحُ عِلْمًا مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَرَعًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ تَأْثِيرًا فِي الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْوَرَعِ بِهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّثَبُّتِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ لِكُلِّ مُرَجِّحًا فَإِذَا عَرَفْت هَذَا كُلَّهُ اسْتَبَانَ لَك أَنَّ خُرُوجَ الْمُقَلِّدِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْمَشْهُورِ إلَى الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ الَّذِي فِيهِ رُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِلرُّخَصِ صَحِيحٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِ تَقْلِيدِ الْأَرْجَحِ وَيُبَاحُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِنْ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ إنَّ لِلْمُجْتَهِدِ الَّذِي لَمْ يَجْتَهِدْ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَ مِنْهُ وَقِيلَ أَيْضًا فِي الْمُقَلِّدِ بَعْدَ الْتِزَامِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ تَقْلِيدِهِ إلَى تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مُقَلِّدٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِتَقْلِيدِهِ الشَّاذِّ مِنْ أَقْوَالِ مَذْهَبِهِ الْجَارِيَةِ كُلِّهَا عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ بِحَسَبِ مَقَاصِدِ قَائِلِهَا.

وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمُفْتِي بِخَبَرِ الْمُسْتَفْتِي بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.

فَأَجَابَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمُفْتِيَ إذَا أَفْتَى الْمُسْتَفْتِيَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَيَّ الْأَقْوَالِ شَاءَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ فِيهِ أَبَا الْمُصْعَبِ فِي مَجْلِسٍ وَابْنَ وَهْبٍ وَغَيْرَهُمَا كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَقْصِدَ أَيَّهُمْ شَاءَ فَيَسْأَلُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ أَوْ يَخْتَارَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قُلْت لِأَبِي مُحَمَّدٍ بِمَ تَقُولُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَمَّا مَنْ فِيهِ فَضْلُ اخْتِيَارٍ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>