مُفْتِي الشَّافِعِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةُ وَرَئِيسُ مُدَرِّسِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
[مَسَائِلُ الِالْتِزَامِ]
[أَرْكَان الِالْتِزَام]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الِالْتِزَامِ (سُئِلَ) شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ دَيْنًا عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهَا جَهْلًا مِنْهُ بِعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُ وَلَمَّا شُدِّدَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ قَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ لَا شَيْءَ لَك عَلَيَّ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ لَهُ فَهَلْ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَتْبَعُ رَبُّ الدَّيْنِ تَرِكَتَهَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَهْلًا مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِ وَلَوْ عَلِمَ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا أَنَّ دَعْوَى الْجَهْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَعْلِيمٌ وَتَزْوِيرٌ فَلَا يَنْبَغِي سَمَاعُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا نَصُّهُ وَرَتَّبْتُهُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَأَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَخَاتِمَةٍ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي بَيَانِ مَعْنَى الِالْتِزَامِ وَبَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِ كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا فَأَقُولُ مَدْلُولُ الِالْتِزَامِ لُغَةً إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ دَوَامًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلِّقًا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْتِزَامُ الْمَعْرُوفِ بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي عُرْفِ النَّاسِ الْيَوْمَ.
وَأَرْكَانُ الِالْتِزَامِ أَرْبَعَةٌ كَأَرْكَانِ الْهِبَةِ الْمُلْتَزِمُ بِكَسْرِ الزَّاي وَالْمُلْتَزَمُ لَهُ وَالْمُلْتَزَمُ بِهِ وَالصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُهُمْ، فَأَمَّا الرُّكْنُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ فَلَا يُلْزَمُ الْتِزَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَالْمُكْرَهِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الِالْتِزَامِ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمُعَاوَضَةِ فَقَطْ وَذَلِكَ الرُّشْدُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ.
وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فَهُوَ مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ أَوْ يَمْلِكُ النَّاسُ الِانْتِفَاعَ بِهِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ.
وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُلْتَزَمُ بِهِ فَهُوَ كُلُّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ أَمْ لَا إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَأَمَّا الرُّكْنُ الرَّابِعُ وَهِيَ الصِّيغَةُ فَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute