فَإِمَّا أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مُتَنَفِّلًا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَإِمَّا أَنْ يَتَسَتَّرَ بِهَيْئَةِ الرَّاعِفِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ رَاتِبًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ فَلَا يَقْتَدِي بِهِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيُصَلِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[الْإِسْمَاعِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ حَالٍ كَثُرَتْ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا اعْتَادَهُ غَالِبُ النَّاسِ مِنْ الْإِسْمَاعِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ حَالٍ كَثُرَتْ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا وَاحِدًا لَجَهَرَ بِتَكْبِيرِهِ وَقَوْلِهِ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَهَلْ مُوَافِقٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ: بِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ تَنْبَغِي بَلْ يَتَأَكَّدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَصُونَ صَلَاتَهُ الَّتِي هِيَ عِمَادُ دِينِهِ عَنْ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَلَا سِيَّمَا عَنْ أَمْرٍ تَصِيرُ بِهِ مُضْطَرِبَةً بَيْنَ صِحَّتِهَا وَبُطْلَانِهَا انْتَهَى. مُلَخَّصًا وَكَتَبْت بِحَوْلِهِ مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي نَهْيُ النَّاسِ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ حَالَ اقْتِدَائِهِمْ بِالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا فِي السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ، وَصَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَنْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْتَدِيًا بِهِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ لِإِسْمَاعِ النَّاسِ فِي مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حُجَّةٌ لِجَوَازِهِ وَسَمِعَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَوْ جَهَرَ الْمَأْمُومُ بِالتَّكْبِيرِ وَبِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ جَهْرًا يُسْمِعُ بِهِ مَنْ يَلِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ.
ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي إسْمَاعِ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَهُ أَجْرُ التَّنْبِيهِ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا.
وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا إلَخْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِسْمَاعَ وَالْإِعْلَامَ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ جَائِزٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ فَاعِلُهُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثُمَّ نَقَلَ بِسَنَدِهِ إلَى «ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الصَّفِّ وَخَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قَالَ فَرَفَعَ النَّاسُ رُءُوسَهُمْ وَاسْتَنْكَرُوا الرَّجُلَ وَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ مَنْ هَذَا الْعَالِي الصَّوْتِ فَقِيلَ هُوَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت كَلَامًا يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى فُتِحَ لَهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute