للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ الدِّينَ أَوْ الْمِلَّةَ أَوْ الْمَذْهَبَ وَهُوَ يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ بَعْضِ سَفِلَةِ الْعَوَامّ كَالْحَمَّارَةِ وَالْجَمَّالَةِ وَالْخَدَّامِينَ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ وَالْأَحْكَامَ الَّتِي شَرَّعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا ثُمَّ إنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ وَإِنْ قَصَدَ حَالَةَ شَخْصٍ وَتَدَيُّنَهُ فَهُوَ سَبُّ الْمُسْلِمِ فَفِيهِ الْأَدَبُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَصْدَيْنِ بِالْإِقْرَارِ وَالْقَرَائِنِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْقَصْدَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي الْحُكْمِ فَفِي الْبَدْرِ عَنْ بَهْرَامَ فِي مَبْحَثِ الرِّدَّةِ إذَا قَالَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِمَنْ قَالَ لَهُ صَلِّ إذَا دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَك فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَدْ ارْتَدَّ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِلِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَفِي رِدَّتِهِ قَوْلَانِ اهـ

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِنْ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ وَسَبُّهُ كُفْرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَوَاضِعَ

وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ فِي الْجَوَابِ عَمَّنْ قَالَ أَنْتُمْ يَا مَالِكِيَّةُ تُصَلُّونَ وَالْكِلَابُ تَمَسُّكُمْ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْأَذِيَّةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِهِمْ وَبِمَذْهَبِهِمْ مَا نَصُّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتُمْ يَا مَالِكِيَّةُ تُصَلُّونَ وَالْكِلَابُ تَمَسُّكُمْ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَذْهَبِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كُفْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ السَّنْجِيدِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمَا نَصُّهُ: يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِمَقَالَتِهِ التَّعْزِيرُ اللَّائِقُ بِحَالِهِ الرَّادِعُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ ارْتِكَابِ قَبِيحِ أَقْوَالِهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ الشَّرِيفِ كُفْرٌ فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ قِرَاءَةَ رَبْعَةَ قُرْآنٍ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدَ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ غَائِبًا وَالْفَقِيهُ الَّذِي هِيَ مَوْقُوفَةٌ تَحْتَ يَدِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ دَاهِيَةٌ تَجِيءُ الرَّبْعَةَ وَأَصْحَابَهَا فَهَلْ يَرْتَدُّ بِذَلِكَ وَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَرْتَدَّ بِذَلِكَ فَلَا تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْجِلْدُ وَالْوَرَقُ وَالنُّقُوشُ لَا مَدْلُولُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ الْمُنَزَّلِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُزْجَرُ وَيُؤَدَّبُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ الْبُرْزُلِيِّ السَّابِقِ عَنْ مَسْأَلَةِ السِّيرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[شَقَّ ثَوْبَهُ وَقَالَ خَرَجَ مِنْ دِينِهِ]

(وَسُئِلَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ شَقَّ ثَوْبَهُ وَقَالَ خَرَجَ مِنْ دِينِهِ.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ وَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَهَا لِأَنَّهَا أَمْرٌ خَطِرٌ يَسْتَلْزِمُ سَفْكَ الدَّمِ وَحُرْمَةَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا فَلَا يُحْكَمُ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الدِّينِ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ عَنْ كَمَالِهِ بِالْفِسْقِ كَمَا وَرَدَ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، «لَيْسَ مِنَّا مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّنْ عُيِّرَ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الْفَقْرِ فَقَالَ إنْ ذَلِكَ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ بِالِاجْتِهَادِ خُصُوصًا فِي مَسْأَلَةِ الْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَفَّرْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْقِيصَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ تُعَايِرُنِي بِالْفَقْرِ وَالنَّبِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>