قَبْلَ التَّحْبِيسِ وَحَبَسَ الْبَاقِيَ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَحَلَّاتِ إلَّا بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ كُلَّ شَهْرٍ، وَكَأَنَّ دَافِعَ الدَّرَاهِمِ شَرِيكٌ لِلْوَاقِفِ بِتِلْكَ الْحِصَّةِ، ثُمَّ قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ وَفَتْوَى النَّاصِرِ مُخَرَّجَةٌ عَلَى النُّصُوصِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَاشْتُهِرَتْ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَانْحَطَّ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، وَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهَا إلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِنَادِ الْمُفْتِي لِلنَّصِّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ تَخْرِيجُهَا عَلَى النُّصُوصِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ.
وَقَدْ سُئِلَ نُورُ الدِّينِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَوَابِ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ، وَلَا مَرْجِعٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ كَفَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلَوَاتِ وَجَوَازِهَا هَلْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى أَنَّهُ لِلْمُفْتِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِ وَيَتَّخِذَهُ حُجَّةً وَمُسْتَنَدًا وَدَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْخَلَوَاتِ مَعَ عَدَمِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ لِلْمُفْتِي إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا فِي الْحَادِثَةِ أَنْ يُخَرِّجَهَا عَلَى النُّصُوصِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الِاسْتِحْضَارِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَقَوَاعِدِ الْإِجْمَاعِ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ حَفِظَ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَعَلِمَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامَهُ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَمَوَانِعَهُ وَشَرَائِطَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَرِّجَهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ وَشَيْخُ عَصْرِهِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسُوغُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهَا جَوَازُ الْإِفْتَاءِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَقَدْ أَطْبَقَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يُفْتِي بِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْمَذْهَبِ ثِقَةً بِهِ وَاعْتِقَادًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ أَخُوهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ اللَّقَانِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِعُلَمَاء مَذْهَبِنَا الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ كَابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيِّ وَابْنِ نَاجِي الْعَمَلُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ شُيُوخِهِمْ مِمَّا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا خَرَّجَهُ غَيْرُهُ عَلَى النُّصُوصِ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّخْرِيجِ مِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ» يَعْنِي أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمُقْتَضَى الْحَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ هِيَ أَنَّ حَوَانِيتَ الْأَوْقَافِ بِمِصْرَ جَرَتْ عَادَةُ سُكَّانِهَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْخُرُوجَ مِنْ الدُّكَّانِ أَخَذَ مِنْ الْآخَرِ مَالًا عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ خُلُوًّا وَجَدَكًا وَيُتَدَاوَلُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَيْسَ يَعُودُ عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَافِ نَفْعٌ أَصْلًا غَيْرَ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ أَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِسَبَبِ مَا يَدْفَعُهُ الْآخِذُ مِنْ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ السَّاكِنُ الَّذِي أَخَذَ الْخُلُوَّ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ مُدَّةً فَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِيَدِهِ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ النَّاظِرِ أَوْ الْوَكِيلِ بِشُرُوطِهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهُوَ سَائِغٌ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ لِصُدُورِ الْأُجْرَةِ مُوَافِقَةً لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ بِإِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِخُلُوِّهِ وَيُؤَجِّرُهُ النَّاظِرُ لِمَنْ شَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى مَنْ دَفَعَهَا لَهُ.
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ]
(فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِ فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ صَرْفِ النَّاظِرِ الدَّرَاهِمَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute