مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ رِيعٌ يَفِي بِعِمَارَتِهِ مِثْلُ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ خُلُوٌّ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الصَّرْفِ فِي مَنَافِعِ الْوَقْفِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ صَدَقَهُ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ حَيْثُ كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَفَائِدَةُ الْخُلُوِّ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمِلْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ وَالْإِرْثُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْخَلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَكُونُ لَازِمًا مُنْبَرِمًا مَعَ شَرْطِ اللُّزُومِ كَالْحَوْزِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَالدَّيْنِ كَوَقْفِ صَحِيحِ الْإِمْلَاكِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَرَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَعَارِيَّتُهُ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحُ وَلِوَاقِفِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْخَيْرِ كَوَقُودِ مِصْبَاحٍ وَتَفْرِقَةِ خُبْزٍ وَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُصُّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَيَرَاهُ وَيَشْتَرِطُ فِيهِ مَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ عَمَلًا بِمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي فَتْوَاهُ انْتَهَى.
وَقَدْ بَحَثَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ حَاصِلُهُ أَنَّ الْخُلُوَّ هُوَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ الْحَبْسُ بِهِ لَا يُحْبَسُ وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوقَفُ مَا فُتِحَ مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً وَلَوْ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ صَارَتْ وَقْفًا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا شَرْعًا، وَلَا عَقْلًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلَانَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ، وَأَمَّا أُجْرَتُهُ فَيَصِحُّ تَحْبِيسُهَا لَكِنَّهُ يَبْطُلُ تَحْبِيسُهَا بِمَوْتِ الْمُحْبِسِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَتَكُونُ أُجْرَتُهَا لَهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ فِعْلَ مَوْرُوثِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ بَالَغَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَلَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَثِيرًا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى بُطْلَانِهِ ضَيَاعُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةُ الْخِصَامِ الْمُؤَدِّي لِلتَّفَاقُمِ انْتَهَى كَلَامُ الْغَرْقَاوِيِّ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ، وَإِنْ مَنْفَعَةً وَلَوْ خُلُوَّ وَقْفٍ آخَرَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ يُصَوَّرُ بِصُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيهِ نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْإِيجَارِ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ
الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا حَوَانِيتُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ لِتَكْمِيلٍ أَوْ عِمَارَةٍ وَيَكُونُ الدُّكَّانُ يُكْرَى الشَّهْرُ بِثَلَاثِينَ نِصْفًا مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ يُكَمَّلُ بِهِ الْمَسْجِدُ أَوْ يُعَمَّرُ بِهِ فَيَعْمِدُ النَّاظِرُ إلَى السَّاكِنِ فِي الْحَوَانِيتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ يُعَمَّرُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَانُوتِ الْمَذْكُورَةِ شَرِكَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَالنَّاظِرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ النَّاصِرُ كَمَا أَفَادَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
الثَّالِثَةُ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ مُحْبَسَةً فَيَسْتَأْجِرَهَا مِنْ النَّاظِرِ وَيَبْنِيَ فِيهَا دَارًا مَثَلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ثَلَاثِينَ نِصْفًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute