وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ فِيهَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا عَادَتْ لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا بِمُجَرَّدِ عَوْدِهَا لَهُ، وَعَدَمُ عَوْدِهَا لَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا خُصُوصًا الطَّوِيلَةَ، وَهِيَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ تَسْمَعُ الْأَذَانَ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اللَّيْلَةِ، وَالْيَوْمِ، وَالْغَالِبُ عَلَى سَامِعِهِ حِكَايَتُهُ خُصُوصًا، وَزَوْجُهَا عَالِمٌ بِأُمُورِ الدِّينِ فَلِيَتَّقِ اللَّهَ الْمُسْتَفْتِي، وَيَتْرُكْ التَّحَيُّلَ عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
[طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ وَشَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَهَلْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ وَشَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَهَلْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إنْ كَانَ شَكُّهُ فِي تَنْجِيزِ الثَّالِثَةِ، وَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ فِي الْحِنْثِ فِيهَا، وَعَدَمِهِ مَعَ تَحَقُّقِ تَعْلِيقِهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا إنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِعَلَامَةٍ دَالَّةٍ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ مِنْ الْوَسْوَسَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِهِ مَوَاهِبِ الْقَدِيرِ (لَا) يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ (إنْ شَكَّ) الزَّوْجُ (هَلْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ بِأَنْ شَكَّ هَلْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ، وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ كَمَنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَنَوْا هُنَا عَلَى الْأَصْلِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ فَبَنَوْهَا عَلَى اعْتِبَارِهِ لِعِظَمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَسُهُولَةِ الطَّهَارَةِ (وَأَمَرَ بِهِ) أَيْ الْفِرَاقِ (إنْ شَكَّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ) بِالْوَسْوَاسِ (فِي حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ زَيْدٌ دَارِي فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، ثُمَّ رَأَى شَخْصًا دَاخِلًا دَارِهِ، وَشَكَّ فِي كَوْنِهِ زَيْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فَيُؤْمَرُ بِتَنْفِيذِ الطَّلَاقِ إزَالَةً لِلشَّكِّ.
(وَ) إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ ف (هَلْ يُجْبَرُ) الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَيُنْجَزُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (خِلَافٌ) ، وَالْمُسْتَنْكِحُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ، ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ شَكَّهُ فِيهِ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَجَبْرِهِ مِثْلَ حَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ حَنِثَ لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ، وَيُخْتَلَفُ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا مِثْلَ شَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُؤْمَرُ، وَلَا يُجْبَرُ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يُجْبَرُ أَوْ لَا يُجْبَرُ مِثْلَ أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ يَحْنَثُ، وَلَا يَدْرِي أَحَلِفَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضًا فَتَقُولُ: لَسْت حَائِضًا أَوْ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَبْغَضُنِي فَيَقُولُ أُحِبُّك، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ، وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الْأُولَى بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى جَبْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا، وَكَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ، وَمِثْلَ شَكِّهِ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْهِ طَلَّقَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اهـ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ هَلْ حَلَفَ، وَحَنِثَ أَمْ لَا فَهَذَا مَحْلُ الِاخْتِلَافِ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا يُؤْمَرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ مِنْ تَحَقُّقِ الْحَلِفِ، وَالشَّكِّ فِي الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِرَاقِ إنْ كَانَ لِسَبَبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ إنْ كَانَ شَكُّهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute