فِيهِمَا قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ الْمُتَقَدِّمُ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَلِهَذَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إنْ لَمْ آتِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِمُسْتَنَدٍ فِي وَقْتِ كَذَا فَدَعْوَايَ بَاطِلَةٌ، أَوْ دَعْوَى خَصْمِي حَقٌّ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَلْزَمُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِبُطْلَانِهِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ قَوْلٌ بِاللُّزُومِ فِيهِ، وَقَدْ كَثُرَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ جَهَلَةِ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ فَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ.
وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوفِهِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي بُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحُ الرِّبَا وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، أَوْ مَنْفَعَةً، وَقَدْ رَأَيْت مُسْتَنَدًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ الْفُضَلَاءِ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ إلَّا غَفْلَةً مِنْهُ.
وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ أَنَّهُ لَمْ يُوفِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانٍ أَوْ صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَعْقُودِ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ يُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ هَذَا الْبَابِ وَيَدْخُلُهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا أَخَافُ أَنْ يَخْلُفَنِي فَيَقُولُ إنْ أَخْلَفْتُك فَكِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَيَّ ثُمَّ يَخْلُفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِلْأُخَرِ إنْ لَمْ أُوَافِك عِنْدَ السُّلْطَانِ فَكِرَاءُ دَابَّتِك عَلَيَّ وَكَانَ الْإِمَامُ فِي بُعْدٍ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ الشَّيْخُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: امْشِ لِلْقَاضِي، وَأَنَا أَلْحَقُك، فَإِنْ لَمْ أَلْحَقْك فَتِلْكَ الدَّابَّةُ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ كِرَاءَهَا ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ مَالِهِ بِوَعْدِهِ، فَإِذَا أَخْلَفَهُ لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ، وَأَنَا أُعِينُك فِيهِ بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِيهِ بِوَعْدِهِ اهـ.
قُلْت: لَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ هُوَ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ أَبِي الْحَسَنِ قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ كِرَاءِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي غُرْمِ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بِالِالْتِزَامِ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَالظَّاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْأَيْمَانِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ النَّفَقَةَ عَلَى حَفِيدَيْهِ مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَسَكَّنَاهُمَا مَعَ أُمِّهِمَا وَشَرَطَ عَلَى أُمِّهِمَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ وَرَضِيَتْ وَالْتَزَمَتْ لِحَمَاهَا مَتَى تَزَوَّجَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute