فَأَجَابَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْخَرَشِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْحَاكِيَ لِلَّفْظِ غَيْرِهِ طَلَاقٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا، وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ زَوْجَتَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِدُونِ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَزَوْجَتُهُ بَاقِيَةٌ بِعِصْمَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَهُ حَاكِمُ بَلَدِهِ، وَأَخَذَ مَالَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَبُو زَوْجَتِهِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَقَدْ، وُجِدَ فِيهِ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْحَلِفَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا ابْنُ أَخِيهِ شَهِدَا بِذَلِكَ، وَحَضَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَلَائِقُ كَثِيرَةٌ قَالُوا مَا سَمِعْنَاهُ حَلَفَ، وَرُفِعَ لِقَاضِي الْبَلَدِ فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ، وَرَقَةً، ثُمَّ لَمَّا اصْطَلَحَ الرَّجُلُ مَعَ الْحَاكِمِ سَأَلَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْقَاضِي أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الدَّعْوَى تَزْوِيرٌ، وَإِنَّمَا حَكَمْتُ بِذَلِكَ لِكَوْنِي وَجَدْتُ الْحَاكِمَ، وَالْأَهْلِينَ مَائِلِينَ عَلَيْك، وَقَدْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَا: إنَّمَا حَلَفَ عَلَى جَيْبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ لِاعْتِرَافِ الْقَاضِي بِبُطْلَانِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَرَقَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَاذِبًا أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعُدُولُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَالْمُكْرَهُ لَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ قَالَ: ابْنُ سَلْمُونٍ: وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إيقَاعِهِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ عَلَى الْيَمِينِ بِهِ سَوَاءٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ فَكَيْفَ، وَقَدْ اعْتَرَفَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ، وَعِلْمِهِ بِتَزْوِيرِ بَيِّنَتِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ نَقْضُ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَقْطِيعُ الْوَرَقَةِ، وَرَدُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ، وَأَجْرُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا، وَأَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ بِعَدْلِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[قَالَ لِزَوْجَتِهِ حَالَ الْمُشَاجَرَةِ إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي خَالِصَةً]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ حَالَ الْمُشَاجَرَةِ: إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي خَالِصَةً، ثُمَّ قَالَ لَهَا حَالَهَا بَعْدَ زَمَنٍ إنْ رُحْت دَارَ أَبِيك تَكُونِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ، ثُمَّ أَخَذَهَا أَبُوهَا، وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ قَهْرًا عَنْهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَوَاحُهَا لِبَيْتِ أَبِيهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ حُصُولُ الْمُعَلَّقِ سَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ عُلِّقَ الْأَكْثَرُ فِي زَمَنٍ أَوْ زَمَنَيْنِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ فِي مَبْحَثِ الظِّهَارِ قَالَ: فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ لَا إنْ تَقَدَّمَ أَوْ صَاحَبَ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَا نَصُّهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الظِّهَارُ إذَا صَاحَبَهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِمَا لِانْتِفَاءِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالْعَقْدِ فَتَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ثَلَاثًا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ اهـ.
وَقَدْ صَوَّبَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ قَوْلَهُ إنَّ الْمُعَلِّقَ، وَالْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ يَقَعَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ إلَخْ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute