لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مِنْ إشَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَدُلُّ عَلَى إلْزَامِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ مَا الْتَزَمَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الِالْتِزَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهَ الْمُعَاوَضَةَ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ وَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلِفَلْسٍ قَبْلَهَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
[أَقْسَام الِالْتِزَامُ]
[الْبَاب الْأَوَّل فِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ]
وَيَنْقَسِمُ الِالْتِزَامُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعَلَّقٌ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّقٍ وَالْمُعَلَّقُ إمَّا مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّاي أَوْ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِفَتْحِ الزَّاي أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَانْحَصَرَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ فَفِي ذِكْرِ مَسَائِلِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَمَسَائِلِ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.
(فَصْلٌ فِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ)
وَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْحَبْسُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعُمْرَى وَالْعَرِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالْإِرْفَاقُ وَالْإِخْدَامُ وَالْإِسْكَانُ وَالنَّذْرُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَالضَّمَانُ وَالِالْتِزَامُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَعْنِي بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ إنَّمَا هُوَ بِأُمُورٍ اعْتِبَارِيَّةٍ اعْتَبَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُلِّ بَابٍ فَخَصُّوا الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ بِتَمْلِيكِ الرِّقَابِ وَجَعَلُوا الْأُولَى فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَالثَّانِيَةَ فِيمَا كَانَ لِقَصْدِ الثَّوَابِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ لِوَجْهِ الْمُعْطِي لِصَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَخَصُّوا الْحَبْسَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْإِسْكَانِ بِإِعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فَهُوَ الْحَبْسُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطِي فَهُوَ الْعُمْرَى، وَإِنْ كَانَ مَحْدُودًا بِمُدَّةٍ أَوْ غَيْرَ مَحْدُودٍ فَهُوَ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقَارٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِسْكَانُ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَمَرَةٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَلَّةِ حَيَوَانٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْمِنْحَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِخْدَامُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِرْفَاقُ، وَحُضُورُ الضَّمَانِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ لَهُ أَوْ الْتِزَامُ إحْضَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ، وَخَصُّوا النَّذْرَ الْمُطْلَقَ بِالْتِزَامِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَالِالْتِزَامَ الْأَخَصَّ بِمَا كَانَ بِلَفْظِ الِالْتِزَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَخْرُجُ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ فِيهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَقْضِي بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَقْضِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهَذَا الْقِسْمُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ أَوْ يَمْرَضْ مَرَضَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ بِفَتْحِ الزَّايِ مُعَيَّنًا، وَلَا أَعْلَمُ فِي الْقَضَاءِ بِهِ خِلَافًا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ الْهِبَةِ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ بَعْدَ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَعْرُوفُ لُزُومُ الْهِبَةِ بِفَقْدِهَا.
ابْنُ زَرْقُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ قَبْلَ حَوْزِهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَفِي قَوْلَةٍ شَاذَّةٍ عِنْدَنَا وَحَكَاهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهَا ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ. اهـ
هَذَا حُكْمُ مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ، وَالِالْتِزَامُ نَوْعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute