[مَسَائِلُ الْإِجَارَةِ] [رَجُل اسْتَأْجَرَ آخَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ عجز]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْإِجَارَةِ
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ آخَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ كُلُّ شَهْرٍ خَتْمَةٌ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا فَقَرَأَ مُدَّةً ثُمَّ حَصَلَ لَهُ تَعَبٌ وَعَجَزَ عَنْ قِرَاءَتِهَا فِيهِ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ بِتَمَامِهَا كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَمَامِ الْخَتْمَةِ مَعَ مُدَاوَمَةِ الْقِرَاءَةِ وَهَلْ تِلْكَ الْأُجْرَةُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَلْ لَهُ بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ مِنْ الثَّوَابِ أَوْ لَهُ الثَّوَابُ كُلُّهُ وَهَلْ وَرَدَ تَحْدِيدٌ فِي أُجْرَةِ الْخَتْمَةِ كَمَا وَرَدَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ فِي أُجْرَةِ خَتْمَةِ الْقُرْآنِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَارِئُ مِنْ الْأُجْرَةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي الشَّهْرِ فَإِنْ قَرَأَ النِّصْفَ مَثَلًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْقَدْرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ لَا، يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَعَلَى تَقْدِيرِ نَقْصِ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يُبَاحُ لَهُ مِنْهُ إلَّا بِحَسَبِ مَا يَقْرَأُ مِنْهَا لِرِضَاهُ بِهِ فِي الْجَمِيعِ، وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي مُضِيِّ الْغَبْنِ وَجَوَازِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَّا ثَوَابُ الدَّرَاهِمِ وَدُعَاءُ الْقَارِئِ لَهُ وَثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَلَا أَعْلَمُ وُرُودَ تَحْدِيدٍ لِأُجْرَةِ قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا أَتْبَاعِهِمْ بَلْ وَلَا أَعْلَمُ تَحْدِيدًا فِي أُجْرَةِ خَتْمَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ كَيْفَ وَإِمَامُ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ لَأَنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ اللَّبِنِ وَالْحَطَبِ وَسُوقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ وَهَذِهِ دَارُ الْهِجْرَةِ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ عَنْ أَحَدٍ وَلَا أَذِنَ فِيهِ اهـ.
[كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا]
(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) إذَا جَرَى عُرْفُ بَلَدٍ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَنَزَلَ فَهَلْ زَكَاةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَوْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَاسِدٌ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالزَّرْعُ جَمِيعُهُ لِلزَّارِعِ فَهُوَ الَّذِي يُزَكِّيهِ وَإِنَّمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاؤُهَا دَرَاهِمَ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ وَبِالْعَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ كِرَاؤُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ مِسْكِينٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُضَاةِ أَصْحَابِنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ حَكَمُوا بِأَنَّهُ يُعْطِي لَهُ فِيهِ الْجُزْءَ الَّذِي يَقَعُ لَهُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَهَا بِالْمَغْرِبِ قِيمَةً بِالْعَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ قِيمَةَ كِرَائِهَا يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُصِبْ فِيهَا شَيْئًا.
ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْكِرَاءُ فِيهَا مَعْرُوفٌ فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا بِكِرَاءِ الْمِثْلِ (قُلْتُ) وَكَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَرْضِ تُونُسَ وَفِي قَوْلِهِمْ يُنْظَرُ إلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ ثُلُثٌ أَوْ رُبْعٌ دَرَاهِمَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ لَغْوُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ فِيهِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا بِالْجُزْءِ أَنْ لَوْ جَازَ فِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute