للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ، وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ فَلَا نُطِيلُ بِهِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي عَنْهُ يَا سَوْدَةُ» ، وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَاضِحَةٌ عِنْدِي بَعْدَ تَأَمُّلِ مَا قُلْنَاهُ، وَفَهْمِ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ إعْمَالٌ لِدَلِيلِهِ مِنْ وَجْهٍ هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ، وَلِدَلِيلِ غَيْرِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ عِنْدَهُ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ، وَحَسْبَمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ فِيهِ أَرْجَحُ لَيْسَ إعْمَالًا لِأَحَدِهِمَا، وَتَرْكًا لِلْآخَرِ بَلْ هُوَ إعْمَالٌ لَهُمَا مَعًا حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَلِّدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَحَيَّرَ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

[هَلْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِمُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ انْقِضَاءً كُلِّيًّا]

(مَا قَوْلُكُمْ) هَلْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِمُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ انْقِضَاءً كُلِّيًّا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ، وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَأَرْدَفَ عَلَيْهَا طَلَاقًا فَلَا يَلْحَقُ أَوْ تَنْقَضِي فِي مَسَائِلَ مَخْصُوصَةٍ فَمَا هِيَ، وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَنَا رَجْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَعَاشَرَهَا بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ، وَأَرْدَفَهَا طَلَاقًا فَهَلْ يَلْحَقُهَا مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْغَيْرِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْخِلَافِ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الِاطِّلَاعُ عَلَى قُوَّتِهِ، وَهَلْ لَا يَسُوغُ لَنَا الْقُدُومُ عَلَى حُكْمٍ فِي مَذْهَبِنَا حَتَّى نَعْرِفَ أَنَّهُ خِلَافِيٌّ أَوْ وِفَاقِيٌّ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ مُعَاشَرَةُ الْأَزْوَاجِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاخْتِلَاءِ، وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَا يُعَدُّ رَجْعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ نِيَّتِهَا، وَتَنْقَضِي مَعَهُ الْعِدَّةُ، وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ، وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَهُوَ مُعَاشِرٌ لَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ رَجْعَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو عِمْرَانَ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ مَعَ التَّصْحِيحِ فَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا، وَعَاشَرَهَا كَذَلِكَ بِلَا رَجْعَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْمُعَاشَرَةِ كَذَلِكَ رَجْعَةً عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا عِنْدَنَا رَجْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَعَاشَرَهَا كَذَلِكَ بِلَا مُرَاجَعَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ كَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ قُوَّةُ دَلِيلِ مُخَالِفِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلًا آخَرَ لِقُوَّتِهِ عِنْدَهُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَيَعْمَلُ دَلِيلُ مُخَالِفِهِ فِي ذَلِكَ اللَّازِمِ فَلَا حِيرَةَ، وَلَا إشْكَالَ إلَّا عَلَى مَنْ جَهِلَ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَغَلِطَ فِي نَفْسِهِ ظَانًّا أَنَّهُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الْخِلَافَ.

وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: هَلْ لَا يَسُوغُ لَنَا الْقُدُومُ إلَخْ إذْ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِرَاجِحِ أَوْ مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ دَلِيلَهُ، وَلَا قُوَّتَهُ، وَلَا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا مَا دُمْنَا فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ، وَنَظَرْنَا فِي الْأَدِلَّةِ، وَالِاتِّفَاقِ، وَالِاخْتِلَافِ فُضُولٌ إذْ وَظِيفَتُنَا مَحْضُ التَّقْلِيدِ، وَاتِّبَاعُ الرَّاجِحِ أَوْ الْمَشْهُورِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ الْبَاقِي مَازِجًا لِكَلَامِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى وَطْئِهَا بِلَا نِيَّةِ رَجْعَةٍ، وَمِثْلُهُ إذَا اكْتَفَى بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِمْرَارِ إنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِيهَا بِالثَّلَاثِ أَوْ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ بِصِحَّةِ رَجَعْتِهِ فَهُوَ كَمُطَلِّقٍ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَلْحَقُهَا إذْ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>