حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةُ وَقْفٍ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ فَإِنْ صَحَّ الْوَاقِفُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْوَقْفُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ اهـ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ نَاظِرِ أَوْقَافِ مَسْجِدٍ مَحَلَّاتٍ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ مُدَّةً نَحْوَ خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْعِمَارَةِ وَالْخُلُوِّ وَالسُّكْنَى كَمَا هِيَ عَادَةُ الشُّهُودِ فِي كِتَابَةِ الْحُجَجِ، ثُمَّ أَوْقَفَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحَلَّاتِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَضَتْ بَعْدَهَا مُدَّةٌ تَزِيدُ عَلَى سِتِّينَ سَنَةً فَهَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الْمَحَلَّاتُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَلَيْهَا وَاسْتَغَلَّهَا يُحَاسِبُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ الْأَوَّلُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْحُجَّةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَرْجِعُ هَذِهِ الْمَحَلَّاتُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَتَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ كَوْنِهَا وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ مِلْكًا وَلَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ مُحَاسَبَةُ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الْغَلَّةِ، وَلَا أَخْذُهَا مِنْهُ إنَّمَا لَهُ الْحِكْرُ الْمُوَظَّفُ عَلَيْهَا كُلَّ شَهْرٍ أَوْ حَوْلٍ.
وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِمَا نَصُّهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِي خَلَوَاتِ الْحَوَانِيتِ الَّتِي صَارَتْ عُرْفًا بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَغَيْرِهَا وَبَذَلَتْ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا حَتَّى وَصَلَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ذَهَبًا فَهَلْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ يُوَفَّى ذَلِكَ مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَعَمْ إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ، وَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُوَفَّى مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ كَتَبَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ الْمَالِكِيُّ حَامِدًا مُصَلِّيًا مُسْلِمًا.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخُلُوُّ اسْمٌ لَمَا يَمْلِكُهُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي دَفَعَ الدَّرَاهِمَ فِي مُقَابَلَتِهَا انْتَهَى. قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ عِمَارَةً كَأَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْفِ أَمَاكِنُ آيِلَةً لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيهَا نَاظِرُهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَكُونُ مَا صَرَفَهُ خُلُوًّا لَهُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَاقِفِ بِمَا زَادَتْهُ عِمَارَتُهُ مَثَلًا كَانَتْ الْأَمَاكِنُ الَّتِي عُمِّرَتْ تُكْرَى قَبْلَ الْعِمَارَةِ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ وَبَعْدَ الْعِمَارَةِ تُكْرَى كُلَّ يَوْمٍ بِعِشْرِينَ نِصْفًا فَيَكُونُ الَّذِي عَمَّرَ شَرِيكًا بِالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِحَسَبِ مَا وَقَعَ فِي الشَّرْطِ فَإِنْ احْتَاجَتْ تِلْكَ الْمَحَلَّاتُ إلَى الْعِمَارَةِ ثَانِيًا كَانَ عَلَى الْوَقْفِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ وَعَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ مَا يَخُصُّهُ وَقَدْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عِمَارَةٍ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ كَوَقِيدِ مِصْبَاحٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَاقِفِ وَنَاظِرِهِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ الْحَوَانِيتِ لِمَنْ هُوَ مُسْتَأْجَرٌ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ شَرْعًا إذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةً بِشُرُوطِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ حِينَ يُرِيدُ بِنَاءَ مَحَلَّاتٍ لِلْوَقْفِ يَأْتِي لَهُ أَشْخَاصٌ يَدْفَعُونَ لَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ مَحَلٌّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَلَّاتِ يَسْكُنُهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَدْفَعُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ بَاعَهُمْ حِصَّةً مِنْ الْمَحَلَّاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute