وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَمِعْتُ مَالِكًا قَالَ فِي قَوْمٍ حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ دَارٌ فَخَرِبَتْ فَأَرَادُوا بَيْعَهَا وَابْتِيَاعَ دُونِهَا إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ، وَأَمَّا الْفَرَسُ يَكْلُبُ أَوْ يُجَنُّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسٌ يُحْبَسُ مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّبْعَ الْحَبْسُ لَا يُبَاعُ، وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْخَرَابَ وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ بِخِلَافِ مَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ وَضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّبْعَ، وَإِنْ خَرِبَ فَلَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ إلَى حَالِهِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهِ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ قَالَ لَا يُبَاعُ الرَّبْعُ الْحَبْسُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَخْرَبَ اهـ.
فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ إذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا الْمَنْعُ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَالْجَوَازُ لِإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَنْعُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ الْجَوَازَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي لُبِّ الْقَبَّابِ، وَأَمَّا الرِّبَاعُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْمَنْعُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ الْجَوَازَ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ فَأَمَّا الرِّبَاعُ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا إذَا خَرِبَتْ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ الْجَوَازَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّةِ الْمَنْعِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لِمَالِكٍ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ لَهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا عَقَارَ، وَإِنْ خَرِبَ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبِهِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ قَالَ وَلَدُ ابْنِ عَاصِمٍ فِي شَرْحِ رَجَزِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَغَيْرُ أَصْلِ عَادِمِ النَّفْسِ صَرَفْ ... ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ وَقَفْ
اسْتَثْنَى الْأُصُولَ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قِيلَ بِبَيْعِ مَا عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَفَّارُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسُئِلَ فِي فَدَانٍ مُحْبَسٍ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ مَصَارِفِ الْبِرِّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ هَلْ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ.
فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْفَدَّانُ الَّذِي حُبِسَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَدَّانٌ آخَرُ يُحْبَسُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصْرِفِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ الْفَدَّانُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا النَّحْوِ فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهَا بِسَبَبِ ضَرَرِ جِيرَانٍ أَنْ تُبَاعَ وَيُعَارَضُ بِثَمَنِهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّبْعِ الْمُحْبَسِ إذَا خَرِبَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ سُئِلَ فِي طِرَازٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى رَابِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ تَدَاعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute