عَنْ سَبَبِهَا مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْأُصُولِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْقَوْمُ فَيَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَيَقَعُ فِي الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ يَلْزَمُ الْعَالِمُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي تَجُوزُ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهَا وَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مِثْلَهُ فَالْجَمِيعُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك مِنْ الْخَطَرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَفَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَّبِعَ مَا تَبَيَّنَتْ لَهُ حُجَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ فِيهَا وَجْهٌ وَآلَ إلَى الْوُقُوفِ وَخَافَ دُخُولَ خَطَأٍ أَوْ شُبْهَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ أَمْ لَا وَتَقْلِيدُهُ حِينَئِذٍ وَاسِعٌ وَإِذَا كَانَ بِالْبَلَدِ إمَامَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّهُمَا أَحَبَّ أَعْلَمُهُمَا أَوْ الْآخَرُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَعْلَمِ وَلَمْ يَجِبْ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى عَالِمٌ وَفِي الْبَلَدِ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا هَلْ يُسْتَفْتَى مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُسْتَعْمَلَةَ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ دُونَ رِوَايَةٍ أَوْ كُتُبَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تُوجَدُ لَهَا رِوَايَةٌ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ مَنْ قَرَأَهَا عَلَى الشُّيُوخِ وَأَحْكَمَ مَعَانِيَهَا وَفَهِمَ أُصُولَهَا بِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَمَ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَعَرَفَ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَسَقِيمَ السُّنَّةِ مِنْ صَحِيحِهَا وَفَهِمَ مِنْ اللِّسَانِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْخِطَابَ جَازَتْ فَتْوَاهُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَسَائِلِ بِاجْتِهَادِهِ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ بِرَأْيِهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عَالِمٍ بِرِوَايَةٍ فَيُقَلِّدُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ، وَجَازَ لِلْحَاكِمِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ اسْتَوْفَى شَرَائِطَ الِاجْتِهَادِ وَيُقَلِّدُهُ الْقَاضِي فِي فَتْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي قِرَاءَتِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِفْتَاؤُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ الْحَدِيثُ وَفِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَأَفْتَوْهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» وَقَدْ أَدْرَكْنَا هَذَا الزَّمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَشْتَغِلُ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ إذَا وَجَدَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَصْحَابِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاءُ عَالِمِ الْبَلَدِ وَهَلْ لِمَنْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ إذَا سَأَلَهُ عَامِّيٌّ عَنْ فَرْعٍ يَعْرِفُ النَّقْلَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَيَحِلُّ لِلْعَامِّيِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفًا لِبَعْضِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يَذْكُرُ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِأَمْرٍ آخَرَ وَمُقَيَّدًا بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَ الْمُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى شَرْطٍ وَقَيْدٍ آخَرَ يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُفْتِي لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِالْتِزَامِ الْأَشَدِّ الْأَقْوَى الْأَجْوَدِ فَإِنَّ مَنْ عَزَّ عَلَيْهِ دِينُهُ تَوَرَّعَ وَمَنْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ تَبَدَّعَ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إجَابَةِ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute