الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ بِقَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ الْبَقَرَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَلْزَمُهُ فِي زَكَاتِهَا وَنِصَابِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ يَمْلِكُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ أَوْ النَّقْدَيْنِ أَوْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَكَذَا أَصْحَابُ الزُّرُوعِ وَالنَّخِيلِ وَيَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِنْ تِجَارَتِهِ وَمَا يَفْسُدُ مِنْهَا وَيَجِبُ عَلَى الصَّرَّافِ أَنْ يَعْلَمَ أَبْوَابَ الرِّبَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّرْفِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ صَانِعٍ أَنْ يَعْرِفَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِرْفَتِهِ مِمَّا يَكْثُرُ وَيَطَّرِدُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآخَرِ فَيَقُومُ بِهَا وَكَذَا الْخَبَّازُ وَالنَّسَّاجُ وَالْفَلَّاحُ يَلْزَمُهُمْ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُمْ الْقِيَامُ بِهِ قَالَ وَيَتَعَيَّنُ مِنْ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةُ وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ مَا الْإِنْسَانُ بِصَدَدِهِ وَمَدْفُوعٌ إلَيْهِ فَتَعَلُّمُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَعَلُّمُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفُتْيَا وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ قَاصِرَةً عَلَى فِعْلِهِ انْتَهَى.
قِيلَ يُؤَيِّدُ هَذَا فِي الْمَعْنَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ قُرَّاؤُهُ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيُضَيِّعُونَ أَحْكَامَهُ الْحَدِيثُ.
(وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَيُّمَا أَفْضَلُ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ أَوْ حَجُّ التَّطَوُّعِ؟
فَأَجَابَ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُقِيمُ بِهِ فَرْضَهُ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ دِرَاسَةُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَهُ وَتَفْسِيرَهُ لَمْ يُغْنِهِ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفَائِدَةُ الْعَظِيمَةُ وَلَكِنْ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَفْضَلُ.
(وَسُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ هَلْ تَصِحُّ الْمُنَاظَرَةُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا عِنْدَهُ كُتُبٌ يُصَحِّحُهُ وَكَيْفَ لَوْ نَاظَرَ فِيهِ بِكِتَابٍ صَحِيحٍ لَمْ يَرْوِهِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَعْنِ بِالْعِلْمِ وَلَا سَمِعَهُ وَلَا رَوَاهُ الْجُلُوسُ لِتَعْلِيمِهِ الْمُوَطَّأَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً وَلَوْ قَرَأَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى الشُّيُوخِ فِيهَا أَوْ حَمَلَهَا أَجَازَهُ فَقَطْ جَازَ أَنْ يُعَلِّمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشُّيُوخِ مِنْ مَعَانِيهَا وَأَنْ يَقْرَأَهَا إذَا صَحَّحَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةِ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا عَمَّنْ عَدِمَ إمَامًا يَسْتَفْتِيه فَيَنْظُرُ فِي الدَّوَاوِينِ الْمَشْهُورَةِ هَلْ يَعْمَلُ بِمَا فِيهَا وَهَلْ يُلْزَمُ الْعَامُّ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فِي نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ وَإِذَا سَأَلَ الْعَامِّيُّ مُفْتِيًا وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ هَلْ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَكَيْفَ لَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَفْتَى أَحَدُهُمَا بِمَا يُرِيدُ وَأَفْتَى الْآخَرُ بِمَا لَا يُرِيدُ.
فَأَجَابَ إذَا عَدِمَ الْإِنْسَانُ مَنْ يُفْتِيه فَلْيَرْجِعْ لِمَا فِي الْكِتَابِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي الْكُتُبِ لِمَنْ لَا يَدْرِي لَا يُنَجِّي مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ النَّازِلَةَ لَا يَجِيءُ بِهَا نَصُّ الْكِتَابِ إلَّا نَادِرًا وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ شَبِيهٌ بِهَا وَبِتِلْكَ الْمُشَابَهَةِ يَغْلَطُ بَعْضُ النَّاسِ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا شَيْئًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَيُخْرِجُهَا