إنْكَارِ فُجُورِهِمْ أَنْكَرَهُ وَحَصَلَ عَلَى ثَوَابِ الْإِنْكَارِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَرِهَهُ بِقَلْبِهِ وَأُثِيبَ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكْرَهُهُ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَوْ تَرَكَ الْحَقَّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ لَتَرَكَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنْ أَدْيَانِهِمْ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْحَرَمَ وَفِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ صَنَمًا وَكَانَتْ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَتَحَرَّجَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِهِمَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] كَيْ لَا يُتْرَكَ حَقٌّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ جَمَعَ تَهْلِيلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمًّ يَقْرَؤُهُ كَمَا تُقْرَأُ السُّورَةُ هَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
وَعَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» الْحَدِيثُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ صِحَّتِهِ أَوْ نَفْيِ كَمَالِهِ وَمَا وَجْهُ الْمُخْتَارِ وَكَيْفَ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ صِدْقَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ فِي مَحَبَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
فَأَجَابَ: أَمَّا جَمْعُ التَّهْلِيلِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ رَتَّبَهُ عَلَى تَرْتِيبِ السُّوَرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ نَكَّسَهُ كُرِهَ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنْ وَقَعَ فِي آيَاتِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي السُّوَرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كُرِهَ وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَامَّةُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ أَوْلَى مِنْ إحْدَاثِ الْبِدَعِ، وَأَمَّا فَضْلُ حُبِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُبِّ نَفْسِهِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْإِيمَانِ دُونَ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ مِنْ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ لِلْحُبِّ سَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الشَّرَفُ وَالْكَمَالُ، وَالثَّانِي الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ فَلَا شَكَّ أَنَّ نَفْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ الْأَنْفُسِ وَأَشْرَفُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ عَلَى قَدْرِ كَمَالِهِ وَأَمَّا الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ الْمَرْبُوطُ بِالْأَسْبَابِ الْعَادِيَةِ لِأَحَدِنَا فَمِنْ إنْعَامِهِ عَلَيْنَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْنَا أَنَّهُ عَرَّفَنَا بِرَبِّنَا وَمَا أَشْرَفَهُ لَنَا وَكَانَ سَبَبًا فِي فَوْزِنَا بِدَارِ الْقَرَارِ وَالْخَلَاصِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ مَا تَقَاعَدْنَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْفَلَاحِ إلَّا بِسَبَبِهَا وَلَا وَقَعْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْقَبَائِحِ إلَّا بِطَلَبِهَا وَشَهْوَتِهَا وَأَمَّا مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي تَفْضِيلِ حُبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُبِّهَا فَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا مُنِحَ لَهُ مِنْ الْقُدْوَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْأَخْلَاقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الرَّسُولِ وَأَخْلَاقُهُ أَحْسَنَ عِنْدَهُ وَأَحَبَّ مِنْ رُكُوبِ هَوَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ عَدَمِ تَقْدِيمِ أَغْرَاضِهِ الدَّنِيئَةِ عَلَى أَخْلَاقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَلِيَّةِ السَّنِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ أَمْ النَّظَرُ فِي الْعِلْمِ أَفْضَلُ.
فَأَجَابَ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute