السَّابِقِ فِي تَشْهِيرِ قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ هَذَا السَّابِقِ بِحَالٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ مِثْلَ نَظَرِهِ قَدْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ غَيْرُ مَا تَرَجَّحَ عِنْدَ السَّابِقِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ تَقْلِيدُهُ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَعَلَى الِاجْتِهَادِ تَمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ وَهَذَا فَرَضْنَاهُ قَادِرًا عَلَى التَّرْجِيحِ فِي أَقْوَالِ إمَامِهِ فَلَا يُقَلِّدُ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ.
وَفِي السُّؤَالِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفُتْيَا عَنْ الْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفَاتِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ أَوْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ. جَوَابُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ مُقَلِّدًا فِي رُجْحَانِ الْقَوْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ إمَامَهُ الَّذِي يُقَلِّدُهُ فِي الْفُتْيَا وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا فَحَرَامٌ إجْمَاعًا نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ هَلْ يَتَسَاقَطَانِ أَوْ يَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يُفْتِي بِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ فَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا يُفْتِي بِهِ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَرْجَحَ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفُتْيَا شَرْعٌ عَامٌّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَالْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِذَا جَازَ الِاخْتِيَارُ فِي الشَّرَائِعِ الْعَامَّةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَالْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالرَّاجِحِ وَغَيْرِ الرَّاجِحِ وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى لَكِنْ بَعْدَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَحُصُولِ التَّسَاوِي وَأَمَّا الْفُتْيَا وَالْحُكْمُ بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَمُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ انْتَهَى.
فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ مَنَعَ الْمُجْتَهِدَ مِنْ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَأَجَازَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِالْمَشْهُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ وَلَا صَحِيحًا فِي نَظَرِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلنَّظَرِ وَعَارِفًا بِطُرُقِ التَّرْجِيحِ وَأَدِلَّةِ التَّشْهِيرِ وَالتَّصْحِيحِ فَإِذَا نَظَرَ وَرَجَحَ عِنْدَهُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ عِنْدَهُ إنْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا مَرْجُوحًا فِي نَظَرِهِ لِكَوْنِهِ يُقَلِّدُ فِي تَرْجِيحِ الْمَشْهُورِ إمَامَهُ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي الْفَتْوَى.
فَإِنْ قُلْت لَفْظُ الْجَوَازِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمُقَلِّدِ مِنْ مُفْتٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُقَلِّدَ إمَامَهُ فِي رُجْحَانِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالٍ وَلَوْ رَجَحَ عِنْدَهُ الْإِمَامُ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَقْلِيدُهُ لِهَذَا الْإِمَامِ فِي أَصْلِ الْقَوْلِ لَازِمًا بَلْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ أَوْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ مَفْضُولًا فِي اجْتِهَادِهِ حَسْبَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ قَضَاءً وَفَتْوَى إذْ لَا زَائِدَ فِي الْمَشْهُورِ سِوَى الرُّجْحَانِ قُلْت لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُ الرَّاجِحُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute