رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «إذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا؟ فَيَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ» .
قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ مَا يَعُمُّ غَسْلَهَا، وَتَكْفِينَهَا، وَحَمْلَهَا، وَالْمَشْيَ مَعَهَا مَشْيًا دُونَ الْخَبَبِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى ضَعَفَةِ مَنْ يَتْبَعُهَا، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ يَمْشُونَ بِهَا قَلِيلًا سَجِيَّةَ الْعَادَةِ، وَلَا يَدِبُّونَ بِهَا دَبِيبَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَكْرَهُونَ الْإِبْطَاءَ، وَيُحِبُّونَ الْعَجَلَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مِنْ مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنُ يُونُسَ، وَلَا يُمْشَى بِالْجِنَازَةِ الْهُوَيْنَا، وَلَكِنْ مِشْيَةَ الرَّجُلِ لِلشَّابِّ فِي حَاجَةٍ نَقَلَهُ بَهْرَامُ، وَالْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ.
، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالشَّابِّ الْمُسْرِعِ فِي حَاجَتِهِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: يُعَارِضُ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ بِجَنَائِزِكُمْ» قُلْت: لَا مُعَارَضَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَدُونَ الْخَبَبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْخَبَبَ؛ لِأَنَّ فِي شُمُولِهِ لِلْخَبَبِ مُنَافَاةٌ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا عَلِمْت، وَلِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ، وَإِضْرَارًا بِالْمُشَيَّعِينَ أَشَارَ لِذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ.
، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ أَوْ بِالتَّأَنِّي فَضِدُّ الْمَخُوفِ أَوْلَى بَلْ وَاجِبٌ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَغَيُّرٌ اهـ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ " «إنَّ النَّاسَ يَتَبَاهَوْنَ بِأَكْفَانِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي «يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً» فَفِي أَيِّ مَحَلٍّ يَتَبَاهَوْنَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ جَمَعَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ كَسَا أَحَدًا فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَمْ يَكْسُ أَحَدًا فِيهَا مُسْتَنِدًا لِحَدِيثٍ، وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالثَّانِي عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مُسْتَنِدًا لِحَدِيثٍ مُصَرِّحٍ بِذَلِكَ، وَنَصُّهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute