بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ فَمَنْ عَلِمَ سَبَبًا بِأَيِّ طَرِيقٍ لَزِمَهُ حُكْمُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ، وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَجْعَلْ خُرُوجَهَا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ نَصَّبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] أَيْ لَمَيْلِهَا اهـ.
وَقَدْ قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى، وَالْعَمَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ، وَطَرْحِ الشَّاذِّ، وَالضَّعِيفِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا نَذْكُرُ وُجُودَ رِوَايَةٍ بِجِوَارِ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة بَلْ نَعْتَرِفُ بِهَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ، وَلَكِنَّهَا شَاذَّةٌ فِيهِمَا، وَمُقَيَّدَةٌ بِخَاصَّةِ النَّفْسِ، وَبِالْغَيْمِ فَبَانَ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ضَلَالٌ لَا يُوَافِقُ حَتَّى الرِّوَايَةَ الشَّاذَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَجَاهَرُونَ بِالصَّوْمِ أَوْ الْفِطْرِ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ مَعَ الصَّحْوِ، وَعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ لِضَعْفِ نُورِ الْهِلَالِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ زَجْرُهُمْ، وَتَأْدِيبُهُمْ أَشَدَّ الزَّجْرِ، وَالْأَدَبِ لِيَنْسَدَّ بَابُ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْخَلَلِ فِي رُكْنِ الدِّينِ، وَمُخَالَفَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَعَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ، وَنَصُّهُ: لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَالَ أَهْلُ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ، وَالشَّهَادَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ، وَقَدْ سُئِلَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ الْكَبِيرُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُ الْمُنَازِعَ فَرْقُ الْقَرَافِيُّ الْمُتَقَدِّمُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ ثَبَتَتْ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ، وَالْعِشْرِينَ الَّذِي تَلِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ فَهَلْ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَمْ لَا؟ لَمَّا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا لَمْ يُرَ الْقَمَرُ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ تَامًّا لَمْ يُرَ يَوْمَيْنِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُشْتُهِرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَنَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ مَغِيبِ الْقَمَرِ ثَالِثَ لَيْلَةٍ مِنْ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute