أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَحَدُ إمَامَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِهِ عَقِبَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى " {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: ١٤٦] وَمِنْ ذِي الظُّفُرِ مَا نَصُّهُ، وَلَيْسَ بِنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ قَدْ نُسِخَتْ، وَلَكِنْ بِنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ كَانَ بِبَغْيِهِمْ، وَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ، وَالْحَبِيبَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَبِيبِ بِأَدْنَى ظُلْمٍ.
وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا كَانُوا يُخْفُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِاَللَّهِ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْهُ إلَيْهِ اهـ. نَقَلَهُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَرَضُنَا مِنْهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ نُسِخَتْ، ثُمَّ نَقُولُ: بَلْ لَنَا بِذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّا، وَإِنْ أَبَحْنَا لَهُمْ ذَا الظُّفُرِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَذْكِيَتُهُ لِمَا سَتَعْلَمُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ، وَصَرَّحَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ بِنَسْخِ التَّحْرِيمِ الْمَحْكِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا إبَاحَةُ أَكْلِ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فِي الْآيَةِ فِي شَرِيعَتِنَا إبَاحَةً مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَبْحُهُ، وَلَا نَحْرُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ مِنْ الْكِتَابِيِّ اتِّفَاقًا؛ وَلِذَا لَا تُؤْكَلُ مَوْقُوذَتُهُ الَّتِي صَادَفَتْ وَقْذَتُهُ فِيهَا هَيْئَةَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِيهِ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ كَمَا لَا تُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي ذَبْحِ الْخِنْزِيرِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ؛ وَلِذَا شَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي صِحَّةِ ذَبْحِ، وَنَحْرِ الْكِتَابِيِّ فِعْلَهُ فِيمَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَهُ قَالُوا فَإِنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا إنْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ نُسِخَ كَذِي الظُّفُرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَهُودِ، وَأَلَّا يَثْبُتَ بِشَرْعِنَا بِأَنْ أَخْبَرَنَا هُوَ بِهِ فَقَطْ كُرِهَ لَنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي إخْبَارِهِ، وَأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ حِلَّهُ لَهُ فَيَتَأَتَّى مِنْهُ نِيَّةُ الذَّكَاةِ فِيهِ، وَاحْتِمَالُ صِدْقِهِ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِيهِ فَتَوَسَّطْنَا بِالْكَرَاهَةِ، وَلَوْلَا الِاضْطِرَابُ مِمَّنْ وُسِمُوا بِالْعِلْمِ، وَتَصَدَّوْا لِلتَّعْلِيمِ، وَأَفْنَوْا عُمُرَهُمْ فِيهِ مَا تَعَرَّضْت لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ " {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: ١٩٦] وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ أَجْمَعِينَ صَلَاةً، وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
كَتَبَ إلَيَّ بَعْضُ الْإِخْوَانِ مَا نَصُّهُ: إنَّك أَزَلْت فِي مَسْأَلَةِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ - غِطَاءَ جَهْلٍ كَانَ عَلَى آبَاءِ أَمْثَالِنَا، وَنَحْنُ عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ إلَى أَنْ كَشَفْتَهُ بِسَنَا نُورِكَ، وَفَيْضِ اللَّهِ عَلَيْكَ مِنْ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ عَلَى الْيَهُودِ بِشَرْعِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّكَ دَخَلْت بِهَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَلَكِنْ أَسْتَعْلِمُكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا وَرَدَ عَلَى فِكْرِي، وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: ١٤٦] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ يُنَاقِضُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute