الْكِسْوَةَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى نِيَّةً فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِمَا نَوَى قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ زَرِبٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَوْصَى بِنَفَقَةِ رَجُلٍ حَيَاتَهُ أَخْرَجَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ مَا يَقُومُ بِهِ مُنْتَهَى سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَاءٍ وَحَطَبٍ وَطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا وَاضِحٌ يَعْنِي كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ إلَّا قَوْلَهُ إنَّمَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا نَوَى بَلْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَفِيهَا فِي كِتَابَ الشَّرِكَةَ مَا نَصُّهُ: أَرَأَيْت الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي نَفَقَتِهِمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُلْغَى نَفَقَتُهُمَا مَعًا وَفِي بَابِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمَّا قَالَ مَالِكٌ تُلْغَى النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَنْفَقُوا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَتُلْغَى الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ تُلْغَى النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ النَّفَقَةِ. اهـ وَمَجْمُوعُهُ دَلِيلٌ لِابْنِ زَرِبٍ.
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ طَاعَ بِالْتِزَامِ نَفَقَةِ رَبِيبِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَ أُمَّهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا هَلْ تَعُودُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الرَّبِيبِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَهَا الْكِسْوَةُ؟
فَأَجَابَ بِبَقَاءِ لُزُومِهَا مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ دُونَ الْكِسْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ زَرِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُوجِبُونَ الْكِسْوَةَ مَعَ الطَّعَامِ مُحْتَجِّينَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، وَلَا أَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُورِفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَهُ عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ وَتَقَرَّرَ فِي مَبَادِئِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ.
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لَفْظَ النَّفَقَةِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَعَلَى الطَّعَامِ فَقَطْ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُلْتَزِمُ اللَّفْظَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَزِمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْآخَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالِي هَذَا يَرْجِعُ كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ وَالْمُتَيْطِيِّ غَيْرَ أَنَّ فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ مُسَامَحَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ نَوَازِلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ قَوْلُ الْمُحْبِسِ فَمَا كَانَ مِنْ نَصٍّ جَلِيٍّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ إنَّهُ أَرَادَ مَا يُخَالِفُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ، وَلَا يُخَالِفُ حَدَّهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ مُحْتَمِلٍ لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ أَظْهَرَهَا أَصْلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ بَاقِيهَا إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ قَدْ مَاتَ فَفَاتَ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ إذْ هُوَ أُعْرَفُ بِمَا أَرَادَ وَأَحَقُّ بِبَيَانِهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا وَفَسَّرَ اللَّفْظَ بِأَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَلَوْ كَانَ خِلَافَ الْأَظْهَرِ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute