وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ الْآتِي قَرِيبًا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَنَصُّهُ.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا نَفَقَتَهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَكُونُ مُوَاسَاتُهُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَالسَّيِّدُ أَحَدُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْتُ مَالٍ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَتَحْصُلُ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ إذَا أَعْتَقَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَالسُّؤَالِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا إلَى الْبُلُوغِ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَكِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَمِمَّا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى سَيِّدِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الَّذِي فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ فِي سِنِّ الْإِثْغَارِ وَمَا بَعْدَهُ فَتَسْتَمِرُّ نَفَقَتُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ: وَزَمَانُ النَّفَقَةِ عَلَى هَذَا الصَّغِيرِ الْمُعْتَقِ أَقَلُّ الْأَجَلَيْنِ إمَّا بُلُوغُهُ الْحُلُمَ وَإِمَّا بُلُوغُهُ قَدْرَ مَا يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ مَا يَكْفِيه اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ بَحْثِهِ مَعَهُ فِي مَسْأَلَةٍ: وَزَمَنُ النَّفَقَةِ هُوَ كَمَا ذُكِرَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مُعْتِقِهِ إلَى حِينِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ إلَى الْبُلُوغِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ عَاجِزًا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُعْتَقِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ كَالدَّيْنِ لَمْ يُسْقِطْهَا بِالْفَلَسِ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ اُنْظُرْ لَوْ فَلِسَ يَعْنِي مُعْتِقَ الصَّغِيرِ هَلْ تُبَاعُ أُمُّهُ وَيُشْتَرَطُ رَضَاعُهُ، وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَوْجَبَ مِنْ نَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ لَا يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ اهـ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَيَكُونَ قَدْ بَدَأَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَلَا يَبْطُلُ أَيْضًا حَقُّهُ جُمْلَةً بِتَبْدِئَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَهِبَةٍ لَمْ تُقْبَضْ حَتَّى قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْوَاهِبِ وَلَكِنْ يُحَاصُّ لَهُ الْغُرَمَاءُ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهَا الْوَاجِبَةِ لَهُ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَرَّ بِهِ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute