وَعَنْ الَّتِي حَلَّلَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إذْ لَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إلَّا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إذَا أَحْرَمَتْ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ قَبْلَ وَقْتِ خُرُوجِ الْحُجَّاجِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ لَلَزِمَهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) فَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الْمُلْتَزِمُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ الْيَوْمَ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ وَجَدَ آبِقًا، أَوْ ضَالًّا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَدَلَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ طَلَبَ مَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ فِي شُرُوطِ الْجَعْلِ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ آبِقًا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَالْجَعْلِ عَلَى الْحَرَامِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ، وَمَنْ رَدَّ آبِقًا، أَوْ ضَالَّةً مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى دَلَالَتِهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجَعْلُ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ يَجْهَلُ مَكَانَهُ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ آبِقًا أَوْ ضَالًّا، أَوْ ثِيَابًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَكَانِهِ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَلَهُ الْجَعْلُ عَلِمَ بِمَا جُعِلَ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهَا، وَإِنْ وَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ الْإِبَاقَ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَلَهُ جَعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ بَذَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا، أَوْ لَمْ يَبْذُلْ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا كَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ طَلَبُ الْإِبَاقِ فَلَا جَعْلَ لَهُ وَلَا نَفَقَةَ قَوْلًا مُجْمَلًا اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّهُ عَلِمَ بِالْجَعْلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَهُ، أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ سَمِعَهُ فَلَهُ الْجَعْلُ سَوَاءٌ كَانَ شَأْنُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ أَيْ فَيَكُونَ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَوْلُهُ فِي النَّوَادِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute