مَالِكٌ مَنْ قَالَ: دُلَّ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي جَارِيَتِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ، وَمَنْ قَالَ دُلَّ عَلَى مَنْ أُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ سَحْنُونٌ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَأَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ فِي النِّكَاحِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ وَالصَّرْفُ مِنْ سَمَاعِهِ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَا مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَيْ أَشِرْ عَلَيَّ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِي، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُ دُونَ جُعْلٍ لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» الْحَدِيثَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّنِي مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَكِنْ لَا أُعْلِمُك بِهَا وَأَدُلُّك عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لَمَا حَلَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، أَوْ اسْعَ لِي فِي نِكَاحِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنَّمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ إنَّ الْجُعْلَ يَلْزَمُ فِي قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ابْحَثْ لِي عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لِي وَدُلَّنِي عَلَيْهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَأَوْجَبْنَا لَهُ الْجُعْلُ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَبْحَثَ لِلرَّجُلِ عَلَى مَنْ تَصْلُحُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ فَيَدُلَّهُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ إذَا اسْتَرْشَدَهُ فِي أَمْرٍ عَلِمَهُ أَنْ يَدُلَّهُ وَيَنْصَحَ لَهُ وَلَا يَكْتُمَهُ.
وَلَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى مَنْ أَبِيعُ مِنْهُ سِلْعَتِي وَأُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَفِي هَذَا يَفْتَرِقُ الْبَيْعُ مِنْ النِّكَاحِ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَدُلَّ الرَّجُلَ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَةً إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالْفَرْقُ فِي هَذَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ وَالنِّكَاحَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا.
وَلَوْ اُضْطُرَّ الرَّجُلُ الْغَرِيبُ فِي مَوْضِعٍ لَا سُوقَ فِيهِ إلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي سِلْعَتِي، وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدُلُّك إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لِوُجُوبِ ذَلِكَ، فَهَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَرْقٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ حَكَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجُعْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَلْزَمُ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إجَازَتَهُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إجَازَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، فَهَذَا تَأْوِيلٌ مِنْهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ وَتَأْوِيلُنَا أَظْهَرُ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ عِيسَى قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute